الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الناس يتفاوتون تفاوتا عظيما في أمر مقدار المشقة، وكونها محتملة، أم غير محتملة، فيختلف ذلك من حال إلى حال، ومن شخص إلى شخص، ومن فعل إلى فعل. وكون الشيء فيه مشقة زائدة يصعب تحملها عادة مما يمكن أن يدركه الإنسان بنفسه، وقد يكون أدرى بذلك من غيره؛ لأنه متعلق به في ذاته، فيمكن أن يقدر ذلك بنفسه، دون الرجوع لعالم ونحوه، إذا تجرد هذا الشخص عن الهوى.
والعرف والعادة أمر معتبر شرعا، ومن القواعد الفقهية الخمس الكلية قاعدة: "العادة محكمة".
قال أبو البقاء الفتوحي في شرح الكوكب المنير: "و" من أدلة الفقه أيضا "تحكيم العادة" وهو معنى قول الفقهاء "إن العادة محكمة" أي معمول بها شرعا؛ لحديث يروى عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه-، موقوفا عليه، وهو: "ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن" ولقول ابن عطية في قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف}: إن معنى العرف كل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة. انتهى.
وإذا تردد الأمر عند الولد بين كون هذه المشقة محتملة، أم غير محتملة، فليسلك مسلك الاحتياط، ويبر والده، ولذلك قال الهيتمي في بيان ضابط العقوق، وأنه لا يكون في المخالفة في أمر ليس للوالدين فيه غرض صحيح، قال: ومع ذلك كله، فليحترز الولد من مخالفة والده، فلا يقدم عليها اغترارا بظواهر ما ذكرنا، بل عليه التحري التام في ذلك... فتأمل ذلك فإنه مهم. اهـ.
والله أعلم.