الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الذي سألت عنه صحيح. وقد رواه البخاري، ومسلم بلفظ: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
وهذا الحديث قد قال بعض أهل العلم بأنه منسوخ.
جاء في كتاب: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، لأبي بكر زيد الدين الحازمي الهمداني (المتوفى : 584هـ):
باب في النهي عن القراءة خلف الإمام: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، سمع ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: صلى صلاة - قال: أظنها الصبح -، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل قرأ أحد؟ قالوا: نعم. قال: فإني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ ! فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه. هذا حديث لا يعرف إلا من هذا الوجه، وابن أكيمة غير مشهور.
وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب: فذهب بعضهم إلى هذا الحديث، وقالوا: قراءة الإمام تكفيه.
وممن ذهب إلى هذا: الثوري، وابن عيينة، وجماعة من أهل الكوفة.
وذهب بعضهم إلى أن المأموم يقرأ في صلاة السر، ويسكت في صلاة الجهر. وإليه ذهب الزهري، ومالك، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق.
وزعم بعض من ذهب إلى هذا القول أن هذا الحديث ناسخ للحديث الآخر، وهو قوله -عليه السلام-: لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب.
وتمسك في ذلك بحديث منقطع عن أبي العالية، قال: كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى قرأ أصحابه أجمعون خلفه، حتى أنزلت: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون. فسكت القوم، وقرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقال ابن النعمان: حدثنا أبي، حدثنا بشر بن عمر الزهراني، عن ابن لهيعة، عن أبي هبيرة، عن ابن عباس قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقرئ خلفه، فنزلت: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون.
فعلى هذا يكون الحديث منسوخا بالقرآن، لا بالحديث كما زعم، إن كان ممن يجوز نسخ الحديث بالقرآن. اهـ باختصار.
والقول الراجح المفتى به عندنا هو العمل بالحديث الذي سألت عنه، وأن قراءة الفاتحة واجبة على كل مُصَلٍّ.
كما سبق تفصيله في الفتوى: 277168.
والله أعلم.