الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمثل هذه المسائل لا تصلح فيها مجرد الفتوى! فهي تحتاج إلى حكم قاضٍ، فإن لم يتيسر فمحكَّم، أو مجلس تحكيم، يسمع من الطرفين، ويطلع على بيناتهم، ويقف على حقيقة الحال، وكذلك يفصل النزاع في المسائل المختلف فيها بين العلماء، كحكم تخصيص بعض الأبناء بهبة دون بقيتهم. هل تنفذ أم ترد؟ سواء في حياة الواهب، أو بعد موته.
والذي يمكننا إفادة السائل به على وجه العموم، لا في خصوص سؤاله: أن مجرد إذن الوالد لبعض ولده بالانتفاع ببيته أو أرضه والبناء عليها، لا يفيد الملك، بل يحمل أساسا على معنى العارية حتى تثبت الهبة.
ولذلك نقل البناني في حاشيته على شرح الزرقاني لمختصر خليل عن كتاب ابن مزين في الهبة: في رجل قال لولده: اجعل في هذا الموضع كرمًا أو جنانًا أو ابن فيه دارًا، ففعل الابن ذلك في حياة أبيه، والأب يقول: كرم ابني أو جنان ابني! أن القاعة لا تُستحَق بذلك وهي موروثة، وليس للابن إلا قيمة عمله منقوضًا.
قال ابن مزين: وقول الرجل في شيء يعرف له: هذا كرم ولدي، أو دابة ولدي. ليس بشيء، ولا يستحق الابن منه شيئًا إلا بالإشهاد بهبة، أو صدقة أو بيع. اهـ.
ثم إن دعوى بعض الورثة هبة الوارث لهم بعض التركة، إما أن يصدقها بقية الورثة ويقروا بها، فيحكم بها.
وإما أن ينكروها ولا يصدقوها، وحينئذ لا بد للمدعي من إقامة بينة شرعية على دعواه، فإن أقامها قبلت دعواه، وليس له إلا أن يحلف بقية الورثة على نفي العلم بحقيقة ما ادعاه.
وراجع في ذلك الفتاوى: 250240، 402643، 129257، 157969.
والله أعلم.