الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه جاء في الصحيحين وغيرهما، والملائكة عباد الله المكرمون، وخلق من خلقه في عالم الغيب، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وقد وكل الله تعالى إليهم أعمالا يقومون بها، ومن هؤلاء الموكلون بأعمال خاصة؛ ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب؛ فملائكة الرحمة موكلون بقبض أرواح المؤمنين، وملائكة العذاب موكلون بقبض أرواح الكافرين والفجار، ولكنهم لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله تعالى، كما حكى لنا القرآن الكريم عنهم: قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {البقرة:32}.
فلذلك لا يستغرب اختلافهم في حال شخص ما نظرا لحال توبته، ولحاله السابقة؛ قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وَفِيهِ -أي الحديث المشار إليه- أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الْمُوَكَّلِينَ بِبَنِي آدَمَ يَخْتَلِفُ اجْتِهَادُهُمْ فِي حَقِّهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَكْتُبُونَهُ مُطِيعًا، أَوْ عَاصِيًا، وَأَنَّهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ بَيْنَهُمْ.
وملائكة الرحمة تحضر عند احتضار العبد الصالح، وملائكة العذاب تحضر عند احتضار العبد الفاجر، كما جاء في حديث البراء بن عازب الطويل، الذي رواه الإمام أحمد في المسند وغيره، وصححه أهل العلم.
ولذك، عند ما احتضر الرجل المذكور حضرته ملائكة الرحمة، بناء على توبته، وحضرته ملائكة العذاب، بناء على عمله السابق، وبهذا تعلم الإجابة على قولك: أني لها أن تختصم؟
وأما قولك: وهي مأمورة من الله؛ فحضور الفريقين واختصامهما إنما كان طاعة لأمر الله تعالى؛ كما قال تعالى عنهم: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}.
وهو بناء على ما ظهر لكل منهما من حال الرجل -كما أشرنا- وتنفيذا لما وكل إلى كل من الفريقين من أعمال.
والله أعلم.