الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذهب أكثر الفقهاء بل حكي إجماعاً إلى أن الخمر نجسة، والدليل على ذلك الآية الكريمة: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(المائدة: من الآية90)، أي نجس وهو شامل للنجاسة الحسية والمعنوية، لأن الراجح عند الأصوليين أن اللفظ يحمل على جميع معانيه إذا أمكن، وهو ممكن هنا فالخمر نجسة حساً ومعنى، فنجاستها حساً حقيقية ونجاستها معنى مجاز كنجاسة الأزلام فإنها نجاسة مجازية، واستعمال اللفظ المشترك في معنييه قال به المحققون من متقدمي الأصوليين ومتأخريهم، وممن نص على ذلك من المتقدمين الإمام الشافعي وغيره، وهو ما اعتمده صاحب المراقي حيث قال:
إطلاقه في معنييه مثلا مجازا أو ضداً أجاز النبلا
وأما الاستدلال على عدم نجاسة الخمر بالحديث المذكور في السؤال وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا هريرة بغسل الإناء الذي صب منه الخمر، فاستدلال غير صحيح لأنه معلوم للصحابة وجوب غسل آنية الخمر وذلك لأنه تقرر لديهم وجوب غسل النجاسات عموماً وغسل ما أصابته الخمر خصوصاً، فقد روى أحمد وأبو داود واللفظ له عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها -أي اغسلوها- بالماء وكلوا واشربوا.
وعليه؛ فلا يصح الاستدلال على عدم نجاسة الخمر بعدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بغسل الإناء الذي صب منه الخمر بحجة أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة لأن وجوب الغسل كان معلوماً فلا داعي لبيانه.
والله أعلم.