الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمجرد عدم أخذ العامل لأجرته، لا يُعَدُّ تنازلا عنها، ويبقى حقه في المطالبة بها، وإن تطاول العهد. بخلاف ما إذا صرح بالتنازل عنها، أو إسقاطها، أو الإبراء منها، فحينئذ يسقط حقه في المطالبة بها؛ للقاعدة الفقهية المشهورة: "الساقط لا يعود".
وراجع في ذلك، الفتويين: 129304، 125568.
وأما المطالبة بنماء المال؛ فلا وجه له، وحق العامل إنما هو في ذمة المستأجر، فليس له إلا مثل أجرته التي ثبتت في الذمة، حتى ولو عزلها المستأجر ثم أخذها، واتجر بها، فليس للعامل حق في نمائها؛ لأنها مضمونة على المستأجر، إلا أن يتبرع بذلك.
كما في القصة المشهورة للنفر الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار، فقال أحدهم: اللهم إني استأجرت أجيرا بفرق أرز، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي، فعرضت عليه فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا وراعيها، فجاءني فقال: اتق الله، فقلت: اذهب إلى ذلك البقر ورعاتها فخذ، فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك فخذ، فأخذه، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج ما بقي، ففرج الله. رواه البخاري ومسلم.
وبوب عليه البخاري: باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم، وكان في ذلك صلاح لهم.
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: قال المهلب: لا تصح هذه الترجمة إلا أن يكون الزارع متطوعا، إذ لا خسارة على صاحب المال؛ لأنه لو هلك الزرع، أو ما ابتاع له بغير إذنه، كان الهلاك من الزارع، وإنما يصح هذا على سبيل التفضل بالربح وضمان رأس المال، لا أن من تعدى في مال غيره، فاشترى منه بغير إذنه، أو زرع به أنه يلزم صاحبه فعله؛ لأن ما في ذمته من الدين لا يتغير إلا بقبض الأجير له، أو برضاه بعمله فيه. اهـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري: الذي في الذمة لا يتعين إلا بالقبض، فلما تصرف فيه المالك صح تصرفه سواء اعتقده لنفسه أو لأجيره، ثم إنه تبرع بما اجتمع منه على الأجير برضا منه. اهـ.
والله أعلم.