الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا تصح إجارة النقود الحالية باتفاق أهل العلم، لأنه لا يمكن الانتفاع بها مع بقاء أعيانها، ومعلوم أنه يشترط لصحة الإجارة أن تكون العين المسـتأجرة يمكن أن ينتفع بها نفعاً مباحاً مع بقاء عينها، وهذا الشرط غير متحقق في كرائك لهذا المبلغ فإن عينه لم تبق، وإنما استهلكت بوضعها في البنك، واختلاطها بما فيه من أموال، وحيث قمت برد هذا المبلغ إنما رددت بدله لا عينه، ولهذا كانت حقيقة ما قمت به هو اقتراض هذا المبلغ، فإن القرض هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله فإن شرط فيه أن يرد بأكثر منه كان قرضاً ربوياً محرماً تجب التوبة إلى الله منه.
وإنما قيدنا عدم صحة إجارة النقود بالنقود الحالية لأن الدراهم والدنانير القديمة قد وقع خلاف بين أهل العلم في جواز إجارتها لمن يستخدمها في التزين والتحلي ثم يعيدها بعينها، فذهب الحنابلة إلى جواز ذلك، ومنع منه الجمهور، واتفق الجميع على أنه لا تصح إجارة الدارهم والدنانير لغير التحلي والوزن وتنقلب الإجارة في هذه الحالة قرضاً قال صاحب كشاف القناع من الحنابلة: (ويصح استئجار نقد) أي دراهم ودنانير (للتحلي والوزن) مدة معلومة، لأن نفعه مباح يستوفى مع بقاء العين، وكالحلي (و) كذا (ما احتيج إليه الأنف) من ذهب. (وربط الأسنان به) مدة معلومة، فتصح إجارته لذلك، لما مر (فإن أطلق الإجارة) على النقد بأن لم يذكر وزناً ولا تحلياً ونحوه (لم تصح) الإجارة، وتكون قرضاً في ذمة القابض، لأن الإجارة تقتضي الانتفاع، والانتفاع المعتاد بالدراهم والدنانير إنما هو بأعيانها فإذا أطلق الانتفاع حمل على المعتاد.
وراجع للأهمية الفتوى رقم: 18044.
والله أعلم.