الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنحن نقتصر على جواب سؤالك الأول فنقول: إنه يكره لمن أكل ثومًا، أو بصلًا، أو ما له رائحة كريهة أن يشهد الجماعة في المسجد قبل إزالة تلك الرائحة، لئلا يؤذي المصلين، وانظر الفتوى: 109499.
لكن إذا فعل، وحضر المسجد -وحاله هذه-؛ فقد أساء، وينبغي أن يخرج منه لإزالة تلك الرائحة إن كان قبل الصلاة.
وأما إذا دخل في صلاة الفريضة؛ فإنه لا يجوز له قطعها، والخروج منها؛ لأن إبطال الفريضة بعد الشروع فيها محرم؛ لقوله تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {محمد:33}.
لكن صرح فقهاء الشافعية بأنه يجوز له -والحال هذه- قطع القدوة، فيتم صلاته خفيفة، ليدفع الأذى عن المصلين، ويحصل له مع ذلك ثواب الجماعة.
قال الجمل في حاشيته على المنهج: ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْمُرَخِّصَ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ ابْتِدَاءً، يُرَخِّصُ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا، يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أَكَلَ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ، ثُمَّ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الْقُدْوَةِ، وَلَا تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ إنْ حَصَلَ بِخُرُوجِهِمْ عَنْ الْجَمَاعَةِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَنْ الْحَاضِرِينَ، أَوْ عَنْ الْمُصَلِّي نَفْسِهِ كَأَنْ حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ بِشِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَكَانَ يَزُولُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْجَمَاعَةِ، وَتَتْمِيمُهُ لِنَفْسِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْجَمَاعَةِ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي حَقِّهِ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْجَمَاعَةِ إلَّا مُجَرَّدُ تَرْكِهَا. انتهى.
وعليه؛ فإنه إن خشي أذية الناس؛ جاز له قطع القدوة، وإتمام صلاته منفردا، إن كان في ذلك مصلحة.
والله أعلم.