الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحمد الله أن هداك صراطه المستقيم، وبصرك بطريق الحق، فهذه نعمة ينبغي أن تشكر الله عليها بالحرص على العلم النافع والعمل الصالح، فبالشكر تدوم النعم وتزيد، قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7}.
والشكر يكون بالجنان، واللسان، والأركان، قال ابن القيم: الشكر يكون: بالقلب خضوعا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافا، وبالجوارح طاعة وانقيادا... انتهى.
ومن الشكر أن تبر بوالديك، وتحسن إليهما، وتوصل إليهما ما تستطيع من الخير، وقد جاء بيان معنى البر في كتاب غذاء الألباب نقلا عن ابن أبي جمرة: المعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفن ما أمكن من الشر، بحسب الطاقة.
والنصح له آدابه التي ينبغي مراعاتها، ومن ذلك أن يكون برفق ولين رجاء أن يؤتي ثمرته، قال الله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ{النحل:125}.
وروى مسلم في صحيحه، عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.
وإذا كان هذا الأدب في نصح العامة، فإنه يتأكد في نصح الوالدين، قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: فصل في أمر الوالدين بالمعروف ونهيهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه، يعلمه بغير عنف ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. انتهى.
ولو أمكنك أن تجد من العلماء والفضلاء من يمكنه أن يبين لأبيك ما يحتاج لبيان، ويوجهه في ما قد يحتاج فيه إلى توجيه لكان أفضل، ولمزيد من التوجيهات في هذا الجانب راجع هذه الاستشارة في موقعنا على الرابط:
https://www.islamweb.net/ar/consult/17789
وغاية أمرك مع أي من والديك أن تبذل أسباب الهداية بالنصح والبيان والدعاء بالخير، وأما هداية القلوب: فليست من شأنك، بل يملكها علام الغيوب، كما قال الله عز وجل: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص:56}.
وتذكر دائما أنه والدك، فيجب عليك أن تلتزم الأدب معه، وأن تحسن العبارة في الكلام معه، ولا يجوز لك أن ترفع عليه صوتك، فإنه موجب للعقوق، وهو كبيرة من كبائر الذنوب، قال المولى تبارك وتعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23 ـ 24}.
جاء في روح المعاني للألوسي: المراد من قوله تعالى: ولا تقل لهما أف ـ المنع من إظهار الضجر القليل والكثير، والمراد من قوله سبحانه: ولا تنهرهما ـ المنع من إظهار المخالفة في القول على سبيل الرد عليهما، والتكذيب لهما، ولذا روعي هذا الترتيب، وإلا فالمنع من التأفيف يدل على المنع من النهر بطريق الأولى، فيكون ذكره بعده عبثا فتأمل، وقل لهما بدل التأفيف والنهر: قولا كريما- أي جميلا، لا شراسة فيه.
والله أعلم.