الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى أهمية مكانة الوالد، وفضيلة بره، فقد قرن الله حق الوالدين بحقه فقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا{الإسراء:23}، فمهما أمكنك بر والدك، وكسب رضاه بتحقيق ما يبتغي منك من السكن قريبا منه فافعل، فلعل الله -عز وجل- يفتح لك بسبب ذلك من خزائن رزقه ما لا تحتسب، ويدفع ما تخشى من سوء العلاقة بين زوجتك، وأهلك، وتسود المحبة، والوئام بدلا من الشقاق، والخصام.
هذا بالإضافة إلى أن الزواج نفسه من أسباب الرزق، قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}، روى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ثلاثة حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. فكن على يقين بالله -عز وجل-، وثقة، وتوجه إليه بالدعاء، وسؤاله التيسير.
وإن خشيت ضررا بدخولك في التزامات مالية، وعدم ضمان أن تستمر مساعدة والدك لك بتغير مزاجه، وامتناعه عن المساعدة، أو أن يعجز عنها، فاعمل على إقناعه، والاستعانة عليه بمن لهم وجاهة عنده، فإن اقتنع فالحمد لله، وإلا فلا حرج عليك في السكن بعيدا عنه؛ فقد نص الفقهاء على أن طاعة الوالدين لا تجب بكل حال، بل تجب فيما فيه مصلحة لهما، ولا ضرر على الولد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا. انتهى.
وعليك بالحرص على بره على كل حال، وتعاهده بالزيارة، وتفقد أحواله.
والله أعلم.