الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحقّ الوالدين على الولد عظيم، لكنّ ذلك لا يبيح لهما ظلمه، فالظلم محرم على كل أحد، وكلٌ مسؤولٌ أمام الله، فكما أنّ للوالدين حقوقًا على أولادهما، فإن للأولاد حقوقًا على الوالدين.
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ........ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسؤولٌ عَنْهُمْ. متفق عليه.
وفي صحيح ابن حبان عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَال: إِنَّ الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بيته.
وقد ترجم البخاري في الأدب المفرد: ( باب بر الأب لولده ) عن ابن عمر قال: إنما سماهم الله أبرارا؛ لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما أن لوالدك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حق. انتهى.
وغير صحيح أنّ للوالدين أن يفعلا بولدهما ما يشاءان من السب والضرب، والبصق على الوجه والطرد من البيت، وأن يتدخلا في كل شؤونه، وأن على الولد أن يطيعهما في كل شيء؛ فتصرف الوالدين مع الأولاد مقيد بمصلحة الأولاد في حدود الشرع، وليس تصرفا مطلقا.
وضرب الولد في حال جوازه يكون ضرب تأديب برفق، ولا يجوز أن يكون على الوجه.
وطاعة الوالدين ليست طاعة مطلقة، ولكنها مقيدة؛ فالطاعة لا تكون إلا في المعروف.
وانظر حدود طاعة الوالدين، في الفتوى: 76303
لكن إساءة الوالدين وظلمهما لأولادهما؛ لا يسقطان حق الوالدين على الأولاد، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً. {لقمان15}.
وعقد البخاري في كتابه الأدب المفرد بابًا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. انتهى.
فاحرص على برّ والديك وطاعتهما فيما لا ضرر عليك فيه من المعروف، وما عدا ذلك فلا إثم عليك في عدم طاعتهما فيه.
وإذا كنت حريصا على برهما، وحصلت منك هفوة؛ فهي في مظنة عفو الله تعالى، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا. [الإسراء: 25].
قال الطبري -رحمه الله- في تفسيره: وقوله (إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ) يقول: إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم، وأطعتم الله فيما أمركم به من البرّ بهم، والقيام بحقوقهم عليكم، بعد هفوة كانت منكم، أو زلة في واجب لهم عليكم، مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه، فإنه كان للأوّابين بعد الزَّلة، والتائبين بعد الهَفْوة غفورا لهم. انتهى.
والله أعلم.