الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يصح هذا اللفظ مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ورد عن بعض الصحابة بقريب من هذا المعنى، فمن ذلك ما رواه مسلم عن ابن مسعود -رضي الله عنه- من كلامه أنه قال: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة.
وفي البخاري تعليقا عن علي قال: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟.
قال ابن حجر في شرحه ما لفظه: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بِمَا يَعْرِفُونَ ـ أَيْ يَفْهَمُونَ، وَزَادَ آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ لَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ مَعْرُوفٍ فِي آخِرِهِ: وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ، أَيْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ فَهْمُهُ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَشَابِهَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يذكر عِنْد الْعَامَّة، وَمثله قَول ابن مَسْعُودٍ: مَا أَنْتَ مُحَدِّثًا قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةٌ ـ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَمِمَّنْ كَرِهَ التَّحْدِيثَ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ أَحْمَدُ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْخُرُوجُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَمَالِكٌ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، وَأَبُو يُوسُفَ فِي الْغَرَائِبِ، وَمِنْ قَبْلِهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْجِرَابَيْنِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَقَعُ مِنَ الْفِتَنِ، وَنَحْوُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ أَنْكَرَ تَحْدِيثَ أَنَسٍ لِلْحَجَّاجِ بِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ، لِأَنَّهُ اتَّخَذَهَا وَسِيلَةً إِلَى مَا كَانَ يَعْتَمِدُهُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ بِتَأْوِيلِهِ الْوَاهِي، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُقَوِّي الْبِدْعَةَ، وَظَاهِرُهُ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مُرَادٍ، فَالْإِمْسَاكُ عَنْهُ عِنْدَ مَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِظَاهِرِهِ مَطْلُوبٌ... انتهى.
والله أعلم.