الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلو اقتصر الاتفاق على إيداع المبلغ لدى هذه الشركة، واستلامه في مدينة السائل، لكان هذا هو مسألة السفتجة المعروفة، وهي جائزة على الراجح من أقوال أهل العلم، وراجع في ذلك الفتويين: 44902، 42437.
ولكن اشتراط عدم استلام المبلغ إلا بعد مرور شهرين، ظاهر في كون الشركة تريد الاستفادة من المال في هذه المدة، وهذا وإن احتمل الرخصة، لكون المنتفع بالأجل هو المقترض لا المقرض، إلا أن هذا الشرط يُشكِل على أصل العقد، ولذلك جاء في مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني: قلت – أبو داود - لأحمد: السفتجة؟ قال: إذا كان على وجه المعروف، تريد أن تصطنع إلى صاحبه معروفا، فلا بأس، وإذا كان يريد أن ينتفع بالدراهم، أو يؤخر دفعها، أو يأخذ وقاية، فلا يصلح. اهـ.
ويتأكد الإشكال باعتبار أن مجرد اشتراط القضاء في بلد آخر في عقد القرض يحرم ويفسد به عقد القرض؛ لأنه قرض جر نفعا، فيشبه الربا؛ لأن المنفعة فضل لا يقابله عوض، وهذا عند جمهور الفقهاء -الحنفية، والشافعية، وبعض فقهاء المالكية، ورواية عن أحمد- كما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية، ولذلك نرى أن على السائل اجتناب هذه المعاملة، إلا إذا كانت أجرة التحويل مجحفة جدا به، وكان مضطرا إلى التحويل، لعموم الخوف في الطرق، فههنا تحتمل المعاملة الترخيص فيها، على مذهب من يستثني حال عموم الخوف في جميع الطرق، كما قال خليل في مختصره: كسفتجة؛ إلا إن يعم الخوف. اهـ.
قال الدردير في الشرح الكبير: إلا أن يعم الخوف -أي يغلب سائر الطرق- فلا حرمة، بل يندب، للأمن على النفس، أو المال، بل قد يجب. اهـ.
وقال الدسوقي في حاشيته عليه: والمراد بالخوف على النفس والمال: أن يغلب على الظن الهلاك، أو نهب المال في كل طريق، قوله: للأمن، أي تقديما لمصلحة حفظ المال والنفس على مضرة سلف جر نفعا. اهـ.
والله أعلم.