الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمثل هذا العمل يتعلق حكمه بالنظر إلى ذات العمل، ثم بالنظر إلى أثره، وما يُعِين عليه.
فأما ذات العمل: فإذا كانت السائلة يمكنها تجنب المنكرات في شخصها؛ بكتم الصوت، وغض البصر. فلا إثم عليها.
وأما أثر العمل، وهو تزويد الذكاء الصناعي بنوع الفيديو، ليسهل للباحثين بعد ذلك الوصول إلى ما يريدونه من هذه الفيديوهات.
فهذا يعين كلا من مريد الخير ومريد الشر، من الباحثين، وما كان كذلك مما يمكن استعماله، والاستفادة منه في الخير والشر جميعا، فالأصل عدم حرمته، ما لم يعلم غلبة الاستعمال المحرم. فحينئذ يترجح جانب الحظر؛ مراعاة للواقع.
قال الشوكاني في البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر: الظاهر من الأدلة تحريم بيع كل شيء انحصرت نفعته في محرم، لا يقصد به إلا ذلك المحرم، أو لم ينحصر، ولكنه كان الغالب الانتفاع به في محرم، أو لم يكن الغالب ذلك، ولكنه وقع البيع لقصد الانتفاع به في أمر محرم، فما كان على أحد هذه الثلاث الصور كان بيعه محرما...
ومن أدلة الصورة الثانية ما أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: لا تبيعوا القينات، والمغنيات، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام. ومن المعلوم أن منفعة القينات لم تنحصر في الحرام، ولكن لما كان الغالب الانتفاع بهن في الحرام، جعل الشارع حكمهن في تحريم البيع حكم ما لا ينتفع به في غير الحرام؛ تنزيلا للأكثر منزلة الكل. اهـ.
وقال في السيل الجرار: إذا كان الغالب في الانتفاع بالمبيع هو المنفعة المحرمة، فلا يجوز بيعه. اهـ.
وإذا لم يكن لدى السائلة علم، فلتعمل بغلبة الظن؛ فإن الأحكام الشرعية تبنى على الظنون الغالبة.
قال الشاطبي في الموافقات: الشارع قد أجرى الظن في ترتب الأحكام مجرى القطع، فمتى ظن وجود سبب الحكم استحق السبب للاعتبار؛ فقد قام الدليل القطعي على أن الدلائل الظنية تجري في فروع الشريعة مجرى الدلائل القطعية. اهـ.
وقال المقري في قواعده: المعتبر في الأسباب، والبراءة، وكل ما ترتبت عليه الأحكام: العلم، ولما تعذر، أو تعسر في أكثر ذلك أقيم الظن مقامه؛ لقربه منه. اهـ.
فإذا لم يكن علم، ولا غلبة الظن، فيسع السائلة أن تعمل بالأصل، وهو عدم الحرمة.
والله أعلم.