الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنلبدأ بما ختمت به سؤالك من قولك: وأتشاجر معه حتى لا يقول لي كلاما قاسيا. فهذا التصرف منكِ هو عين ما تخشين الوقوع فيه -وهو العقوق- والذي هو ذنب عظيم، ومن أسباب سخط رب العالمين. فالوالد مهما أساء، وظلم، لا يجوز مقابلة إساءته بإساءة، بل من حقه بره، والإحسان إليه، وإن جار، وظلم، فإنه يبقى والدا على كل حال، وراجعي مزيدا من التفصيل في فتوانا: 299887.
ونصحكِ لوالدكِ أمر طيب، ولكن ينبغي أن يكون برفق ولين، فإن استجاب فذاك، وإلا فلتتركيه.
جاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل: في أمر الوالدين بالمعروف، ونهيهما عن المنكر. وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه، يعلمه بغير عنف، ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. انتهى.
والنصح مطلوب شرعا، لتحقيق أغراضه، لا الإتيان بالعكس، قال الله سبحانه: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى {الأعلى: 9}.
قال السعدي في تفسيره: فَذَكِّرْـ بشرع الله، وآياته: إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ـ أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود، أو بعضه.
ومفهوم الآية: أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأمورًا بها، بل منهيًا عنها. انتهى.
ونوصيكِ بالصبر، والحرص على اجتناب كل ما يمكن أن يستفز والدكِ، ويدفعه للغضب، والتصرف غير اللائق، ومن أعظم بركِ به، وإحسانكِ إليه الدعاء له بصلاح الحال، والرجوع للرشد، والصواب. ويمكنكِ أن تسلطي عليه بعض من لهم وجاهة عنده، وترجين أن يستجيب لقولهم، ليناصحوه، ويسعوا في سبيل إصلاحه.
وإذا وجدتِ في قلبكِ شيئا من الكراهة له بسبب تعامله، فلا يلحقكِ إثم في ذلك؛ لأن الإنسان لا اختيار له في الأمور القلبية، قال الله تبارك وتعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب: 5}.
ومع ذلك احرصي على طاعته في المعروف.
والله أعلم.