الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل في التعليم أن يكون برفق، وقد كان هذا هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعليمه لأصحابه -رضي الله عنهم-، ولنذكر هنا موقفا واحدا جاء في حديث معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ عطس رجل من القوم، فقلت يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبأبي هو وأمي: ما رأيت معلما قبله، ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن. رواه مسلم.
وللمزيد يمكن أن تراجع الفتوى: 198373 فقد ذكرنا فيها بعض النصوص الدالة أيضا على الرفق في الدعوة والتعليم، وبينا فيها أيضا أن هذا لا يمنع من أن يستخدم المعلم الإغلاظ أحيانا في مواقف خاصة، من غير أن يكون ذلك عادة له.
ومما يدل على ذلك أيضا ما رواه مسلم عن عبد الله ابن عباس -رضي الله عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه، فطرحه وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده.
ومن الطبيعي أن يغضب المعلم، أو يرفع صوته على طلابه، ولكن ما ذكر من كونه يرفع صوته، ليس بمحرم إن لم يترتب عليهم منه ضرر، ولكن فيه إفراط لا ينبغي المصير إليه، أو فعله، وتأديب المعلم لطلابه له ضوابطه الشرعية التي سبق لنا بيانها في الفتوى: 29612.
وعلى كل حال ينبغي لكل منهما أن يصبر على الآخر، فيصبر المعلم على الطلاب وإن قصروا، وساء خلقهم، كما سبق وأن بينا في الفتوى: 130751.
وفي المقابل يصبر الطلاب على المعلم، ويعاملوه بأدب، واحترام، لينتفعوا بعلمه، وما أحسن ما جاء في ديوان الإمام الشافعي:
تصبر على مر الجفا من معلم ... فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعة ... تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابه ... فكبِّر عليه أربعا لوفاته
وذات الفتى -والله-بالعلم والتقى ... إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته.
والله أعلم.