الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلمعرفة الظن السيء أي معرفة حكمه وكفارته راجع الفتوى رقم: 10077، ونحن في كلامنا هذا نحاول علاج هذه الآفة الخطيرة من خلال التأكيد على أهمية حسن الظن وتقديمه على سوء الظن، والإنسان تمر به مواقف لا يرى فيها إلا وجهاً واحداً يرى إنساناً في أمر ما فلا يراه إلا مسيئاً عاصياً، فربما تكلم فيه ونشر خبره، ثم إذا اتضح الأمر وبانت الحقائق ظهر له أنه كان مخطئاً، وهذا هو الذي لا يريده الله تعالى منا لذا يجب التحرز التام بفعل الإجراءات التالية:
الأول: التأمل في حقيقة البشر من حيث الذهول والضعف والنسيان، فإذا تأمل المرء في حقيقة البشر وجد نفسه مرغماً على التماس العذر لهم، وعدم مؤاخذتهم بما يصدر منهم من أمور يمكن حملها على الوجه الحسن، ولو باحتمال ضعيف، قال عمر رضي الله عنه: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
الثاني: مراعاة حق الأخوة: فإن أخوة الإيمان تحمل لزوماً على حسن الظن بالمؤمن، فالمؤمن في أصل الأمر لا يريد شراً والتعامل معه وحمل ما يصدر عنه على هذا الأصل يوجب حسن الظن والبعد عن سوء الظن فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ما له ودمه، وأن يظن به إلا خيراً. رواه ابن ماجه.
الثالث: البعد عن الشبهات فكما أنه يجب على المسلم إحسان الظن بإخوانه، كذلك ينبغي له البعد عن الشبهات حتى لا يساء به الظن فلا يوقع نفسه في شبهة عمداً بدعوى أنه لا يبالي بالناس، فمن لا يستحي من الناس لا يستحي من الله، فينبغي أن يتحرز من الوقوع في الشبهات، فإن وقوعه فيها يفتح للشيطان طريقاً عليه بتشويه سمعته وصورته وعلى إخوانه ببث وساوسه فيهم وإيقاعهم في الإثم بسوء الظن، فإن وقع في شبهة ما لسبب ما فعليه أن يبادر للتوضيح وتجلية حقيقة الأمر لكل من رأى تلبسه بالشبهة كي يدفع عن عرضه ويرحم إخوانه من إساءة الظن.. جاءت صفية رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو معتكف، ثم قام يقلبها -أي يردها- إلى بيتها فمر بهما رجلان فأسرعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً. رواه البخاري.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كيف أن على المسلم أن يدفع عن نفسه الشبهة.
والله أعلم.