الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحائض لا يجوز لها المكث في المسجد، وأما مجرد دخول المسجد لحاجة، ثم الخروج منه سريعا؛ فلا حرج عليك في الدخول لإعطاء أبيك الطعام، والدواء، مع عدم المكث، بل تخرجين مباشرة.
قال ابن قدامة في المغني: وَلَيْسَ لَهُمْ -أي للجنب والحائض- اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواـ وَرَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبُيُوتُ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَن الْمَسْجِدِ، فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ، وَلَا جُنُبٍ ـ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَيُبَاحُ الْعُبُورُ لِلْحَاجَةِ، مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ، أَوْ تَرْكِهِ، أَوْ كَوْنِ الطَّرِيقِ فِيهِ، فَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَمِمَّنْ نُقِلَتْ عَنْهُ الرُّخْصَةُ فِي الْعُبُورِ: ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ: لَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ بُدًّا، فَيَتَيَمَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ، وَلَا جُنُبٍ ـ وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ـ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِن الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إبَاحَةٌ، وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِن الْمَسْجِدِ، قَالَتْ: إنِّي حَائِضٌ، قَالَ إنَّ حَيْضَتَك لَيْسَتْ فِي يَدِك ـ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْنُ جُنُبٌ ـ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ جُنُبٌ ـ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا. انتهى.
والله أعلم.