الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حفظ القرآن لا يجب على كل شخص بعينه، بل هو من فروض الكفايات، إذا قام به بعض الناس، سقط الوجوب على الباقين، كما قال الإمام النووي في مقدمة المجموع شرح المهذب -1/ 26: القسم الثاني -أي: من أقسام العلم الشرعي- فرض الكفاية، وهو تحصيل ما لا بدّ للناس منه، في إقامة دينهم من العلوم الشرعية، كحفظ القرآن، والحديث، وعلومهما، والأصول... قال أصحابنا: وفرض الكفاية المراد به تحصيل ذلك الشيء من المكلفين به، أو بعضهم، ويعم وجوبه جميع المخاطبين به، فإذا فعله من تحصل به الكفاية سقط الحرج عن الباقين.... اهـ.
ولا يلزم حفظه على فرد من كل أسرة، بل يكفي حفظ عدد من الأمة له، بحيث لا ينقطع عدد التواتر فيه، كما قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن -1/ 343: اعلم أن حفظ القرآن فرض كفاية على الأمة، صرح به الجرجاني في الشافي، والعبادي، وغيرهما، قال الجويني: والمعنى فيه ألا ينقطع عدد التواتر فيه، فلا يتطرق إليه التبديل، والتحريف، فإن قام بذلك قوم يبلغون هذا العدد، سقط عن الباقين، وإلا أثم الكل، وتعليمه أيضا فرض كفاية، وهو من أفضل القرب، ففي الصحيح: خيركم من تعلم القرآن وعلمه.. اهـ.
ولكن ينبغي لكل من استطاع حفظه أن يحرص على ذلك، لأن حفظه سنة عينية، كما قال الحصكفي في الدر المختار: وحفظ جميع القرآن فرض كفاية، وسنة عين، أفضل من التنفل. اهـ.
ومن الأدلة على أهمية حفظه قول النبي - صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إن لله أهلين في الناس، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله، وخاصته. رواه ابن ماجه، وأحمد، وغيرهما.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن، غير الغالي فيه، والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن اقرأ، وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها. رواه أبو داود.
قال صاحب عون المعبود عند شرحه لهذا الحديث: ويؤخذ منه أنه لا ينال هذا الثواب الأعظم إلا من حفظ القرآن، وأتقن أداءه، وقراءته، كما ينبغي له. اهـ.
والله أعلم.