الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على طاعة ربك، وبرّ والديك، ونرجو أن تكون من الذين ذكرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، في قوله -صلى الله عليه وسلم-: وشاب نشأ في عبادة الله.
وإذا كانت أمّك على الحال التي وصفت؛ فهي ظالمة، ولا حقّ لها في إيذائك بالضرب المبرح، ولا غير المبرح، أو السب، ونحوه، ويجوز لك أن تتخلص من أذاها بالهرب، ونحوه من غير إساءة إليها، وإن كان أبوك حاضرا، فعليه منعها من إيذائك، وإن لم يكن، فعلى الأقارب، كالخال، وغيره، نهيها عن هذا العدوان.
ومع ذلك، فظلمها، وإيذاؤها لك، لا يسقط حقّها عليك في البرّ؛ فالواجب عليك أن تبرها، وتحسن إليها قدر وسعك، وتطيعها في المعروف، فيما لا يضرك، وما حصل منك بغير قصد؛ فلا إثم عليك فيه، وعموما؛ فإنّ البار بوالديه، إذا حصلت منه هفوة نحوهما؛ فهي في مظنة العفو من الله تعالى، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء: 25}.
قال الطبري -رحمه الله- في تفسيره: وقوله (إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ) يقول: إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم، وأطعتم الله فيما أمركم به من البرّ بهم، والقيام بحقوقهم عليكم، بعد هفوة كانت منكم، أو زلة في واجب لهم عليكم مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه، فإنه كان للأوّابين بعد الزَّلة، والتائبين بعد الهَفْوة، غفورا لهم. انتهى.
فاصبر، وداوم على برّ أمّك قدر وسعك، وأبشر ببركة هذا البر في الدنيا، والآخرة؛ فإنّ برّ الأمّ من أحبّ الأعمال إلى الله، وأعجلها ثواباً، وأرجاها، وبركة في الرزق، والعمر، ففي الأدب المفرد للبخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- : .. إِنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ بِرِّ الْوَالِدَةِ.
والله أعلم.