الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم البشائر المفيدة لاستجابة دعائك إلحاحك في الدعاء، وتحريك أوقات الاستجابة، وحمدك لله، وشكره على كل حال، فإن من وافق وقتا من أوقات إجابة الدعاء، فإنه أرجى -إن شاء الله تعالى- لقبول دعائه، -إذا انتفت الموانع، وتوفرت الشروط - فاحمدي الله الذي وفقك للدعاء، وكِلي أمر الإجابة، وكيفيتها إلى الله -تعالى-، فهو القادر، المقتدر، الكريم، الفعال لما يريد، فقد قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}. وقال سبحانه: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون {البقرة:186}.
ولكن هذه الاستجابة قد تتم بإعطاء العبد ما يريده الآن، وقد يختار الله تعالى له -رحمة به، ومراعاة للأصلح له- غير ذلك من أنواع الإجابة، فقد يدفع عنه البلاء، وقد يدخر له في الآخرة، فهو -سبحانه وتعالى- أعلم بمصالح العباد، وأرحم بهم من أنفسهم وأهلهم. فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذًا نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد والحاكم. وصححه الألباني.
ومن علامة استجابة الدعاء ما ذكر الجزري في الحصن الحصين حيث يقول:
(علامة استجابة الدعاء الخشية، والبكاء، والقشعريرة، وربما تحصل الرعدة، والغشي، والغيبة، ويكون عقيبه سكون القلب، وبرد الجأش، وظهور النشاط باطنا، والخفة ظاهرا، حتى يظن الداعي أنه كان على كتفيه حملة ثقيلة، فوضعها عنه، وحينئذ لا يغفل عن التوجه، والإقبال، والصدقة، والإفضال، والحمد، والابتهال، وأن يقول: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات). اهـ، انظري تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 93).
وأما الرياح فهي من المبشرات بنزول المطر، كما تفيده الآية التي ذكرت، وكذا قوله تعالى: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {النمل: 63}.
ولا نعلم دليلا على أنها من المبشرات بقبول الدعاء، فقد جاء في تفسير الطبري عند قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ {الأعراف: 57}. و"الرحمة" التي ذكرها جل ثناؤه في هذا الموضع، المطر. فمعنى الكلام إذا: والله الذي يرسل الرياح لينا هبوبها، طيبا نسيمها، أمام غيثه الذي يسوقه بها إلى خلقه، فينشئ بها سحابا ثقالا، حتى إذا أقلتها، و"الإقلال" بها، حملها، كما يقال:"استقل البعير بحمله"، و"أقله"، إذا حمله فقام به، ساقه الله؛ لإحياء بلد ميت، قد تعفت مزارعه، ودرست مشاربه، وأجدب أهله، فأنزل به المطر، وأخرج به من كل الثمرات....اهـ.
وراجعي لمعرفة موانع، وشروط، وآداب الدعاء، الفتويين : 11571 و 71758.
والله أعلم.