الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل المولى -سبحانه- أن ييسر أمركم، وأن يرزقكم من حيث لا تحتسبون.
وأما ما سألتِ عنه حول وضع مكافأة نهاية خدمة الأب في البنك للاستفادة من فوائدها: فالجواب عنه أنه إذا كان البنك الذي تريدين وضع مكافاة الخدمة فيه من البنوك الإسلامية الموثوق بها، لتستثمره فيما هو مباح، وتعطيكم نسبة من الأرباح، فهذا لا حرج فيه، وهو غُنية عن التعامل بالربا، ووضع ذلك المال ببنك ربوي، ولا ضرورة إلى ذلك مع وجود البدائل المشروعة.
وعليه، فانظروا أحسن البنوك الإسلامية ببلدكم سمعة في الالتزام بالضوابط الشرعية، واستثمروا ذلك المال لديه -إن شئتم- لتنتفعوا بالأرباح التي سيعطيكم إياها، واعلموا أن من ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: إنك لَن تدَع شيئًا للهِ عزَّ وجلَّ إلا بدلك اللهُ به ما هو خيرٌ لكَ منه. أخرجه أحمد في المسند.
قال ابن القيم في روضة المحبين: من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه، كما ترك يوسف الصديق -عليه السلام- امرأة العزيز لله، واختار السجن على الفاحشة، فعوضه الله أن مكنه في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، وأتته المرأة صاغرة، سائلة، راغبة في الوصل الحلال، فتزوجها، فلما دخل بها قال: هذا خير مما كنت تريدين.
فتأمل كيف جزاه الله -سبحانه وتعالى- على ضيق السجن أن مكنه في الأرض ينزل منها حيث يشاء. وأذل له العزيز، وامرأته، وأقرت المرأة، والنسوة ببراءته.
وهذه سنته تعالى في عباده قديما، وحديثا إلى يوم القيامة.
ولما عقر سليمان بن داود -عليهما السلام- الخيل التي شغلته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد. ولما ترك المهاجرون ديارهم لله، وأوطانهم التي هي أحب شيء إليهم، أعاضهم الله أن فتح عليهم الدنيا، وملكهم شرق الأرض، وغربها، ولو اتقى الله السارق، وترك سرقة المال المعصوم لله، لآتاه الله مثله حلالا، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ـ فأخبر الله -سبحانه وتعالى- أنه إذا اتقاه بترك أخذ ما لا يحل له، رزقه الله من حيث لا يحتسب. انتهى.
والله أعلم.