الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يستثنى من عموم هذه الآية المعتدي الأسنّ، ولا نعلم قائلا بذلك، فالقصاص لا يشترط فيه التساوي في العمر بين المعتدي، والمعتدى عليه.
وأما اللطمة، ونحوها من الجنايات التي لا تحدث جرحًا، أو تذهب منفعة عضو، فلا قصاص فيها عند جمهور الفقهاء؛ لعدم إمكانية المماثلة.
بينما ذهب بعض العلماء إلى مشروعية القصاص في اللطمة، ونحوها؛ لعموم النصوص، وهذا ما رجحه ابن تيمية.
فقد سئل كما في «مجموع الفتاوى»: عن الرجل يلطم الرجل، أو يكلمه، أو يسبه: هل يجوز أن يفعل به كما فعل؟ فأجاب:
وأما " القصاص في اللطمة، والضربة "، ونحو ذلك: فمذهب الخلفاء الراشدين، وغيرهم من الصحابة، والتابعين أن القصاص ثابت في ذلك كله، وهو المنصوص عن أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد الشالنجي. وذهب كثير من الفقهاء إلى أنه لا يشرع في ذلك قصاص؛ لأن المساواة فيه متعذرة في الغالب، وهذا قول كثير من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والأول أصح؛ فإن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- مضت بالقصاص في ذلك، وكذلك سنة الخلفاء الراشدين، وقد قال تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}، وقال تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}، ونحو ذلك. وأما قول القائل: إن المماثلة في هذه الجناية متعذرة. فيقال: لا بد لهذه الجناية من عقوبة: إما قصاص، وإما تعزير. فإذا جوز أن يعزر تعزيرا غير مضبوط الجنس، والقدر، فلأن يعاقب إلى ما هو أقرب إلى الضبط من ذلك أولى، وأحرى. والعدل في القصاص معتبر بحسب الإمكان، ومن المعلوم أن الضارب إذا ضرب ضربة مثل ضربته، أو قريبا منها كان هذا أقرب إلى العدل من أن يعزر بالضرب بالسوط؛ فالذي يمنع القصاص في ذلك خوفا من الظلم، يبيح ما هو أعظم ظلما مما فر منه. فعلم أنما جاءت به السنة أعدل، وأمثل. وكذلك له أن يسبه كما يسبه: مثل أن يلعنه كما يلعنه. أو يقول: قبحك الله. فيقول: قبحك الله.انتهى.
وانظر الفتوى: 255010.
والله أعلم.