الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من طبيعة الإنسان المركوزة فيه الالتجاء إلى خالقه والإقبال عليه في حال الضيق النازل والكرب المُلمِّ، والإعراض عنه سبحانه وتعالى عندما تزول تلك الشدة، هذه طبيعة الإنسان إلا من عصمه الله، قال الله تعالى: وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [يونس:12]، قال القرطبي في تفسيره: فالآية تعم الكافر وغيره.
أما المؤمن حقا فهو الذي يطيع ربه ويقبل عليه في جميع أحواله، ففي صحيح مسلم من حديث صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن أن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له. هذا هو ما يتميز به المؤمن حقا من غيره.
ثم إن إقبال المسلم على العبادة وإكثاره من نوافل الطاعات مرة وتقصيره مرة أخرى عن النافلة، واقتصاره على الفرائض حسب نشاطه وكسله أمر طبيعي في الإنسان، ولا يدخل في الآية التي ذكرتها السائلة ولا في الآية التي ذكرناها نحن، ما دام صاحبه ملتزما بالواجبات، ففي مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك. قال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعن عمر رضي الله عنه قال: إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها بالفرائض. نسأل الله الثبات لنا ولك وللمسلمين.
والله أعلم.