الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان من ضمن عملك بيع الخنزير، أو حمله، والعمل فيه، فإنه لا يجوز؛ لأن الله تعالى إذا حرم شيئًا حرم بيعه، وشراءه، والعمل فيه، والمساعدة عليه، ففي الصحيحين، وغيرهما عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح بمكة يقول: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام، فقيل يا رسول الله: أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ قال: لا هو حرام، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: قاتل الله اليهود؛ إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه.
وروى ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه. رواه الدارقطني، وصححه الألباني.
ويضاف لهذا أن حمل الخنزير وبيعه؛ مساعدة للعصاة على الحرام، وإعانة لهم على الإثم والعدوان، وكل هذا محرم؛ لقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة: 2}.
وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف عن عطاء أنه قال: لا تبع العنب لمن يجعله خمراً. وهذا الأثر صححه الألباني.
وقال صاحب الكفاف:
وكل ما به أراد المشتري ذنبًا فبيعه له ذو حظــــر
فبيع الأسلحــة للعصـاة من البيوعات المحرمات .اهـ.
والمال المكتسب من عمل على ذلك النحو محرم، يلزم التخلص منه بصرفه في مصالح المسلمين العامة، ولا يجوز لصاحبه أن ينتفع به، إلا إذا كان فقيرًا محتاجًا إليه، فله أن يأخذ حينئذ بقدر حاجته.
قال النووي في المجموع: (وله ( أي حائز المال الحرم) أن يتصدق به على نفسه، وعياله إن كان فقيراً .. وله أن يأخذ قدر حاجته؛ لأنه أيضاً فقير. اهـ.
وكذا إذا كان جاهلاً بتحريم هذا العمل؛ فلا حرج عليه فيما سبق أن كسبه حال جهله بالتحريم؛ لقول الله سبحانه وتعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {البقرة:276}. وراجع الفتوى: 32762
أمّا إذا كان العمل في هذا المحل يقتصر على الأمور المباحة، وليس فيه مباشرة، ولا إعانة على الأمور المحرمة؛ فهو جائز، وإن كان الأفضل اجتنابه، ويدل للجواز ما ثبت من عمل بعض الصحابة عند اليهود فيما هو مباح، ولم يمنع من ذلك ما عند الأهل من التعامل بالربا والسحت، فقد ثبت عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- أنه قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأيته متغيرًا فقلت: بأبي أنت مالي أراك متغيرًا، قال: ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث. قال: ذهبت فإذا يهودي يسقي إبلًا له، فسقيت له على كل دلو تمرة، فجمعت تمرًا، فأتيت به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أين لك يا كعب؟ فأخبرته... .الحديث. والحديث حسنه الألباني في صحيح الترغيب..
وما حصلت عليه من الأجرة في مثل هذا العمل الذي لم تتم فيه مباشرة الحرام، ولا الإعانة عليه، فهو مباح كما قدمنا بالفتوى: 6397، والفتوى: 484753
والله أعلم.