الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن قوله تعالى: فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {هود: 46}، يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يدعو الله -سبحانه- بشيء لا يعلم جواز الدعاء به.
جاء في الفروق للقرافي: «قوله تعالى لنوح عليه السلام، {فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين} [هود: 46]، وقول نوح عليه السلام: {إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم} [هود: 47] معناه: أن أسألك ما ليس لي بجواز سؤاله علم. فدل ذلك على أن العلم بالجواز شرط في جواز السؤال، فما لا يعلم جوازه لا يجوز سؤاله، وأكد الله -تعالى- ذلك بقوله: {إني أعظك أن تكون من الجاهلين} [هود: 46]».انتهى.
وفي «تفسير المنار» لمحمد رشيد رضا:«(فلا تسألن ما ليس لك به علم)، أي: فلا تسألن في شيء ما من الأشياء ليس لك به علم صحيح أنه حق، وصواب ... وهذا النهي يدل على أنه يشترط في الدعاء أن يكون بما هو جائز في شرع الله، وسننه في خلقه، فلا يجوز سؤال ما هو محرم، وما هو مخالف لسنن الله القطعية بما يقتضي تبديلها، ولا تحويلها، وقلب نظام الكون لأجل الداعي، ولكن يجوز الدعاء بتسخير الأسباب، وتوفيق الأقدار للأقدار».انتهى.
وأما أمثلة ما لا يجوز الدعاء به، فقد قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: الاعتداء في الدعاء:
تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات، وتارة يسأل ما لا يفعله الله مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية: من الحاجة إلى الطعام والشراب، ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولدا من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله. اهـ.
وقال ابن القيم في بدائع الفوائد -بعد ذكره مثل ما تقدم-: فالاعتداء في الدعاء، هو كل سؤال يناقض حكمة الله، ويتضمن مناقضة شرعه، وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، فهو اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله. اهـ.
وإذا اشتبه عليك أمر ما، ولم تدر جواز الدعاء به: فإن عليك الامتناع عن الدعاء به، حتى تتحقق من جواز الدعاء به عن طريق سؤال أهل العلم.
والله أعلم.