الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإطراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نهى عنه هو الغلو في مدحه صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن يمدح بما هو من خصائص الله كأن يرفع إلى مقام الألوهية أو يعطى بعض صفات الله، كما قالت امرأة في زمنه وهي تمدحه: وفينا نبي يعلم ما في غد. فنهاها صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن علم الغيب من خصائص وصفات الله، وقد أمر الله رسوله أن يقول: [وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ] (لأعراف: 188). فلا يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيب إلا ما علمه الله، أو أن يستغاث به أو يدعى من دون الله أو أن يمدح بالكذب كما مدحه بعضهم بأن القمر انشق ونزل يسلم عليه، فانشقاق القمر حدث معجزة له، ولكن ما نزل ليسلم عليه، أو أن يقترن مدحه بمحظور، وقد جاء في صحيح البخاري: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله. أي لا تمدحوني بالباطل ولا تجاوزوا الحد في مدحي كما عملت النصارى مع عيسى، فمدحوه حتى جعلوه إلها، ومن الغلو الاحتفال بمولد الأنبياء والأولياء، وجعل ذلك شعارا وقربة، بل تعظيم هؤلاء يكون باتباعهم والسير على سنتهم، ولذلك لم يكن الصحابة الكرام يحتفلون بيوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم خير منا وأكثر حبا وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما مدحه والثناء عليه دون الإطراء فمشروع ومطلوب. قال الله تعالى: [لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ] (الفتح: 9). وتعزيره تعني نصرته، وتوقيره احترامه والثناء عليه بما هو أهله. وأما نسبة بعضهم إلى رسول الله أنه قال: اطروني ولكن ليس كما أطرت النصارى، فلم نقف على صحته، ولو صح فهو بمعنى امدحوني المدح اللائق ولا تغالوا كما غالت النصارى، فهو راجع إلى التفصيل السابق. والله أعلم.