الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالآية المسؤول عنها هي قول الحق سبحانه وتعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ [النساء:128].
ومجمل المعنى كما يقول المفسرون أن المرأة تكون عند الرجل فتخاف منه النشوز والإعراض عنها بألا يكلمها ولا يأنس بها، وذلك لما كره من أمرها إما لكبرها أو لدمامتها أو لسوء خلقها أو شبه ذلك، فيرغب زوجها في طلاقها ليتزوج غيرها وهي كارهة لفراقه، فتصالحه على البقاء معه زوجة، إما بإعطائه شيئاً من المال أو بالتخلي عن حقوق المعاشرة بأن تصرف ذلك لضرتها كما هو الحال في سبب نزول هذه الآية فيما رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خشيت سودة أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي منك لعائشة، ففعل فنزلت: فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز.
قال القرطبي: قال علماؤنا: ومن هذا أن أنواع الصلح كلها مباحة، بأن يعطي الزوج على أن تصبر هي، أو تعطي هي على أن يؤثر الزوج، أو على أن يؤثر ويتمسك بالعصمة، أو يقع الصلح على الصلح على الصبر والأثرة من غير عطاء فهذا كله مباح. انتهى.
ومن هنا تعلم أن التنازل قد يقع من الرجل كما يقع من المرأة، وأن البذل في ذلك حسب ما يتفقان عليه وهذا غاية الإنصاف للمرأة حيث تكون مختارة وراضية في كلا الحالتين، وليس في هذا انتقاص لشأن المرأة كما يظن البعض لأن من حق الرجل تركها أو التزوج عليها إذا قبلت التنازل، ولا يعارض هذا إلا من استحكم الجهل فيهم وعميت أبصارهم عن شرع الله عز وجل.
قال القرطبي: وفي هذه الآية من الفقه الرد على الرعن الجهال الذين يرون أن الرجل إذا أخذ شباب المرأة وأسنت لا ينبغي أن يتبدل بها.
ثم أخبر سبحانه بأن الشح مستحكم في بني آدم بحكم خلتهم وجبلتهم وهو هنا: شح المرأة بالنفقة من زوجها وبقسمه لها أيامها، قال هذا ابن جبير، وقال ابن زيد: الشح هنا منه -أي من الرجل، ومنها -أي المرأة- قال: ابن عطية: وهذا حسن، فإن الغالب على المرأة الشح بنصيبها من زوجها، والغالب على الزوج بنصيبه من الشابة.
والله أعلم.