الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فرحم الله أباكِ، وغفر له، ورفع درجته في عليين، وجزاكِ خيرا على نيتكِ، وسعيكِ في إحجاج والدكِ.
أما جواب سؤالكِ: فهو أنه ما دام والدكِ لم يعلم بالمال الذي كنتِ توفرينه لإحجاجه حتى توفي، فالمال باق على ملككِ، وذلك لأن قبول الهبة ركن فيها، فلا تكتمل بغير قبولها، ولا يتأتى قبول الهبة، وحيازتها لمن لم يعلم بها.
جاء في شرح الخرشي لمختصر خليل المالكي في باب الهبة: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقَبُولُ، وَالْحِيَازَةُ مُعْتَبَرَانِ، إلَّا أَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ، وَالْحِيَازَةَ شَرْطٌ.
قال محشي الخرشي: العدوي معلقا على قول الخرشي: لأن القبول ركن.... فَعِنْدَ عَدَمِهِ تَبْطُلُ الْهِبَةُ. انتهى.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ فإن السائلة لم تنوِي هبة هذا المال لوالدها هبة مطلقة، وإنما غرضها أن يحج به خصوصا، كما يدل عليه قولها: كانت أمنيتي أن أوفر المال لأبي أن يذهب للحج... وكنت أنتظر الرد على القرعة، لأخبره أن ذلك المال له- ومراعاة غرض الدافع لازمة في الأصل.
قال القسطلاني في إرشاد الساري: لو أعطى إنسان آخر دراهم وقال: اشترِ لك بها عمامة، أو ادخل بها الحمام، أو نحو ذلك، تعينت لذلك؛ مراعاة لغرض الدافع ... اهـ.
حتى إن من أُعطِي نفقة ليحج بها عن غيره، ففضل منها شيء، لزمه ردها.
قال ابن قدامة في المغني: وما فضل معه من المال رده، إلا أن يؤذن له في أخذه، وينفق على نفسه بقدر الحاجة من غير إسراف، ولا تقتير، وليس له التبرع بشيء منه، إلا أن يؤذن له في ذلك. اهـ.
وانظري الفتوى: 315901.
وإذا كان هذا المال للسائلة وليس للورثة -كما هو واضح- فلها أن تتصرف فيه بما تريد: تقضي منه ديون أبيها، أو تعمل به صدقة جارية، أو غير ذلك من التصرفات المشروعة.
والله أعلم.