الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فغرامة التأخير التي تحصل لصالح الدائن نفسه، لا خلاف في حرمتها، وهي شرط ربوي واضح، بخلاف التي يحصلها الدائن لصالح الجهات الخيرية، كما يفعله بعض البنوك الإسلامية، فهذه محل خلاف بين أهل العلم، وأكثرهم على حرمتها، وأجازها بعضهم، وراجع في ذلك الفتاوى: 471529، 382657، 382669.
ولذلك، فقد أصاب والدك في رأيه، فحكم القاضي الذي يخالف الشرع لا اعتبار له، وأما القاضي الذي يستند في حكمه إلى الشرع، فأداه اجتهاده إلى حكم يخالف حكم الشرع، أو إلى تنزيل حكم شرعي على غير محله، فحكمه حينئذ لا يحل حراما، ولا يحرم حلالا في حقيقة الأمر، وإن كان ينفذ في الظاهر، وقد بوَّب الإمام البخاري في صحيحه: باب من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه، فإن قضاء الحاكم لا يحل حراما، ولا يحرم حلالا- وأسند فيه حديث أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها، أو ليتركها.
وقال الإمام الشافعي في الأم: في هذا الحديث دلالة على أن الأئمة إنما كلفوا القضاء على الظاهر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن قضيت له بشيء من حق أخيه- فأخبر صلى الله عليه وسلم أن قد يكون هذا في الباطن محرما على من قضي له به، وأباح القضاء على الظاهر، ودلالة على أن قضاء الإمام لا يحل حراما، ولا يحرم حلالا. اهـ.
وقال في موضع آخر: أصل هذا ما وصفت لك من أن تنظر ما حل لك، فإن حكم لك به أخذته، وما حرم عليك فحكم لك به لم تأخذه. اهـ.
وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات: حكم الحاكم لا يحل حراما، ولا يحرم حلالا على من علمه في باطن الأمر؛ لأن الحاكم إنما يحكم بما ظهر، وهو الذي تعبد به، ولا ينقل الباطن عند من علمه عما هو عليه من تحليل، أو تحريم، قال الله عز وجل: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ... وهذا إجماع من أهل العلم في الأموال. اهـ.
ونقل هذا الإجماع أيضا ابن فرحون في تبصرة الحكام في: فصل فيما لا ينفذ من أحكام القاضي، وينقض إذا اطلع عليه.
والله أعلم.