الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ما كان لأهلك أن يصنعوا ما صنعوا، ولكنا ننصحك بمجاهدة نفسك في الحرص على صلتهم، والحلم عنهم، والإحسان إليهم؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم.
وفي رواية للإمام أحمد في مسنده عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي ذوي أرحام أصل ويقطعوني، وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم؟ قال: لا، إذاً تتركون جميعاً، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنه لن يزال معك ظهير من الله عز وجل ما كنت على ذلك.
وفي مسند الإمام أحمد أيضاً بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعقبة: يا عقبة؛ صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك.
وقد وردت أحاديث كثيرة ترغب في صلة الأرحام، وتبين أجرها وثوابها، فأنت المستفيد أولا من ذلك، فصلة الرحم شعار المؤمنين بالله واليوم الآخر، وفي الحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه. رواه البخاري.
وهي من أعظم أسباب زيادة الرزق والبركة في العمر، قال - صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه. رواه البخاري.
وعند الترمذي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر.
وهي من أحب الأعمال إلى الله بعد الإيمان بالله، وفي الحديث: أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله، ثم صلة الرحم... رواه أبو يعلى، وحسنه الألباني.
كما أن صلة الرحم من أسباب دخول الجنة، وفي الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام. رواه أحمد، وابن ماجة.
وأما مجرد الكره القلبي: فقد قدمنا في فتاوى سابقة أنه لا مؤاخذة فيه، ما لم تتعاط أسبابه، وتعمل بمقتضاه من قطع للرحم، وهجر للأقارب، وإساءة إليهم، وإذا كنت تسلم عليهم عند الالتقاء بهم، فلا يعد ذلك هجرانا محرما، كما قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: معنى الهجرة هو: ترك الرجل كلام أخيه مع تلاقيهما، واجتماعهما، وإعراض كل واحد منهما عن صاحبه، مصارمة له، وتركه السلام عليه، وذلك أن من حق المسلم على المسلم إذا تلاقيا، أن يسلم كل واحد منهما على صاحبه، فإذا تركا ذلك بالمصارمة، فقد دخلا فيما حظر الله، واستحقا العقوبة، إن لم يعف الله عنهما. انتهى.
والله أعلم.