الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كثرة التوبة من الأمور المحمودة عند الله، روى الترمذي وابن ماجه وأحمد من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. فارتكاب الخطأ وارد، لكن اللوم كل اللوم إنما هو على الإصرار على الذنب، أما الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ويتوب ويتكرر ذلك منه، فإن فعله ذلك محمود، بل التوبة واجبة عليه كلما أذنب ولو تكرر ذلك. ويمكنك أن تراجع الفتوى رقم: 24031، فإن فيها تفصيلا جيدا لحكم التائب الذي يعود للذنب كل مرة ثم يتوب منه.
أما قولك في نفسك وأنت ذاهب إلى ارتكاب المعصية إن الله يراقبني إن الله شديد العقاب فهذا ليس خوفا، فالخوف من الله عز وجل هو الذي يمنع الإنسان من والوقوع فيما حرم سبحانه، كخوف يوسف عليه السلام حين راودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك، فقال:[ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ] (يوسف: 23) وكقول الذي دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله .
أما قولك إن الله يراقبني إن الله شديد العقاب ثم لا يمنعك ذلك من المعصية فإنما هو من حديث النفس، وليس هو الخوف المحمود. قال الإمام الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين : ( إنما الخوف هو الذي يحث على العمل ويكدر جميع الشهوات ويزعج القلب عن الركون إلى الدنيا ويدعوه إلى التجافي عن دار الغرور، فهو الخوف المحمود، دون حديث النفس الذي لا يؤثر في الكف والحث، ودون اليأس الموجب للقنوط.) أ هـ
فعليك أولاً بالاستعانة بالله سبحانه على التوبة النصوح، وإكثار الدعاء بالهداية والاستقامة.
ثانياً: حقق شروط التوبة وهي:
الإقلاع عن الذنوب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليها أبداً، وإن كانت متعلقة بحق آدمي رددته إليه، والعزم على عدم تكرار الذنب ركن من أركان التوبة.
والمؤمن إذا وقع في الذنب تذكر عظمة الله واطلاعه عليه وقدرته عليه فترك الذنب وتاب منه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران:135-136].
ثالثاً: اجتنب الأسباب التي توقعك في المعصية، فمثلاً الذي يقع في الذنب بسبب النظر المحرم أوالخلوة ونحو ذلك، فلابد له من الابتعاد عن تلك الأسباب التي توقع في الذنب.
رابعاً: عليك بالابتعاد عن البيئة التي فعلت فيها المعصية، وأقوى ذلك الرفقة السيئة فلابد من مفارقتها ومصاحبة الأخيار، والجلوس في مجالس الخير.
واحذر من أن تكون من الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم فنصحك لزملائك بترك المعاصي شيئ طيب وتؤجر عليه إن شاء الله وإن كنت تقع في المعصية، ولكن عليك أيضا أن تكون أول من يطبق ما يأمر به وينتهي عما ينهى عنه؛ وإلا دخلت في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ] (الصف: 2-3) [الصف: 2-3]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه" رواه البخاري ومسلم.
وأما حكم العادة السرية فسبق برقم: 7170 فالرجاء الاطلاع عليه
والله أعلم.