الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوى، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك. وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة، إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
وما يمكننا إفادة السائل به عموما لا في خصوص حاله هو ما يلي:
أولا: المضارب في عقد المضاربة الصحيح لا يستحق شيئا من مال المضاربة، إلا حصته من الربح، والربح لا يكون، إلا بعد سلامة رأس المال. فإن لم يحصل ربح، فلا شيء له، وإن حصلت خسارة كانت من رأس المال، وفي كلا الحالين يخسر المضارب جهده، ولا يتحمل شيئا من الخسارة، إلا إذا فرط في عمله أو تعدى.
قال ابن قدامة في (المغني): لا يستحق المضارب أخذ شيء من الربح، حتى يسلم رأس المال إلى ربه، ومتى كان في المال خسران، وربح، جبرت الوضيعة من الربح، سواء كان الخسران، والربح في مرة واحدة، أو الخسران في صفقة، والربح في أخرى، أو أحدهما في سفرة، والآخر في أخرى؛ لأن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال، وما لم يفضل، فليس بربح. ولا نعلم في هذا خلافا. اهـ.
ثانيا: المضارب لا يلزمه دفع شيء من ماله في تكلفة إدارة العمل، أو تجهيزه، أو تشغيله، وإنما ذلك يكون من رأس المال. فإن دفع في ذلك شيئا من ماله بإذن صاحب رأس المال، فله الرجوع به عليه.
ما لا يلزم المضارب عمله عادةً من أعمال المضاربة، له أن يستأجر من يعمله، وأجرته من مال المضاربة. فإن عمل ذلك بنفسه، فلا شيء له، سواء تبرع بذلك، أو عمله ليأخذ عليه أجرا.
قال ابن قدامة في «المغني»: على العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب بنفسه ...، ولا أجر له عليه؛ لأنه مستحق للربح في مقابلته. فإن استأجر من يفعل ذلك، فالأجر عليه خاصة؛ لأن العمل عليه. فأما ما لا يليه رب المال في العادة، فليس على العامل عمله، وله أن يكتري من يعمله. نص عليه أحمد؛ لأن العمل في المضاربة غير مشروط، لمشقة اشتراطه، فرجع فيه إلى العرف. فإن فعل العامل ما لا يلزمه فعله متبرعا، فلا أجر له. وإن فعله ليأخذ عليه أجرا، فلا شيء له أيضا، في المنصوص عن أحمد. اهـ.
والله أعلم.