الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد امتن الله سبحانه وتعالى على عبده داود عليه السلام بنعم كثيرة، ذكر بعضها في هذا الموضع في ختام قصة الملإ من بني إسرائيل وطالوت وجالوت، وذكر بعضها في مواضع أخرى، مثل قوله تعالى: وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [سبأ: 10-11]. وقوله: وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ [الأنبياء: 79-80]. وقوله تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ] [ص: 17-20].
وجاء ذكر هذه النعمة العظيمة (الملك، والنبوة، وتعليم العلم) لداود في قوله تعالى: وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ [البقرة: 251]، تعقيبًا على جهاده في سبيل الله، وبلائه البلاء الحسن في تلك المعركة التاريخية من معارك الإيمان والكفر، والتي قتل فيها داود عليه السلام رأس الكفر والطغيان جالوت، فكان ذلك بمنزلة المكافأة له على صبره وبلائه وجهاده.
ولهذا قال المفسرون: جمع الله تعالى لداود الملك، أي السلطان والحكمة، وهي النبوة، ولم تكن تجمع لأحد قبله، بعد ما قتل جالوت، فقد وعده طالوت أن يزوجه ابنته، ويشركه في ملكه، إذا قتل جالوت، فوفى له بوعده، وآل إليه الحكم بعد وفاة طالوت. قال الله تعالى: وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ [البقرة: 251].
والله أعلم.