الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالسنة أن من أعطي شيئاً من المال من غير مسألة أن يأخذه؛ لما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك.
قال النووي تعليقا على الحديث: اختلف العلماء فيمن جاءه مال هل يجب قبوله أم يندب؟ على ثلاثة مذاهب حكاها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه يستحب في غير عطية السلطان، أما عطية السلطان فحرمها قوم وأباحها قوم وكرهها قوم. انتهى.
وعلى هذا؛ فإن أمكن الجمع بين طاعة الجدة في قبول هديتها وطاعة الأم بموافقتها على ذلك فهذا حسن، وإن تعذر ذلك فطاعة الأم مقدمة قطعاً على طاعة الجدة لتأكد حق الأم وأوليتها في الطاعة في المعروف، وانظر الفتوى رقم: 33419.
وهذا بناء على وجوب طاعة الوالدين في المباحات وهو ما ذهب إليه طائفة من أهل العلم، قال صاحب بريقة محمودية: قوله: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، بأن يصدر منه ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل ما لم يتعنت الوالد، وضبطه ابن عطيه بوجوب طاعتهما في المباح فعلاً وتركاً وندباً في المندوب وفرض الكفاية كذلك.
وقال صاحب مطالب أولي النهى ممزوجاً بغاية المنتهى: ووقع خلاف بين الأصحاب في وجوب طاعتهما في المباح كالبيع والشراء والأكل والشرب، فقيل: يلزمه طاعتهما ولو كانا فاسقين، هذا ظاهر إطلاق الإمام أحمد.
وقيد بعض أهل العلم وجوب طاعتهما فيما فيه نفع لهما ولا ضرر عليه، فإن لم يشق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا.
والله أعلم.