الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد عرف شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله حقيقة التصوف فقال: التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية.
وأما المنتسبون إلى التصوف فهم أصناف وكذلك الحاكمون عليه، وقد بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مع ذكر الصواب فقال رحمه الله: فطائفة ذمت" الصوفية والتصوف". وقالوا: إنهم مبتدعون خارجون عن السنة ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام. وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم. و" الصواب" أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب. ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه. وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم: كالحلاج مثلا، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه وأخرجوه عن الطريق.
مثل: الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره. كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، في طبقات الصوفية، وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد. فهذا أصل التصوف.
وعليه فليس كل منتسب إلى التصوف مذموم ولا يجوز الحكم عليه بالبدعة أو الضلال حتى ينظر في حاله فإن كان ملتزما بالكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين فهو من أهل السنة والجماعة ولا إنكار عليه لمجرد انتسابه للتصوف الذي كان علما على الزهد والتزكية وإن كان قد انحرف عن ذلك وأقبل على الشطحات والخرافات التي اشتهرت عن كثير ممن ينتسب إلى الصوفية كالاستغاثة بالأموات والطواف حول القبور والذبح لها وغير ذلك فإنه ينصح برفق وحكمة ويبين له وجه الحق لاسيما إذا كان المنصوح هو الوالد.
وأما حلف والدك بالطلاق فإن كان حلف على أن لا يدخل الشريط بيته سواء أدخلته أنت أو أخوك ثم أدخله أخوك فإن الطلاق يقع حسب ما أوقعه، فإن كان واحدة فواحدة، وإن كان اثنتين فاثنتين وإن كان ثلاثا فثلاثا، ولا يمكنه إلغاء تلك اليمين ولا حلها بناء على قول جمهور أهل العلم إن الحلف بالطلاق هو طلاق معلق وذلك لا يصح حله، ويحسب طلاقا فإن كان بائنا فلا رجعة له عليها ولا يجوز له نكاحها إلا بعد أن تنكح زوجا غيره وإن كان رجعيا فله إرجاعها في العدة بدون عقد ولا مهر جديدين وإن كانت العدة قد انقضت فله عقد نكاح جديد عليها، وإن كان علق الطلاق على ادخالك أنت الشريط ثم أدخله أخوك فلا يقع شيء مما مضى بيانه.
هذا ومن أهل العلم من قال: إن الحلف بالطلاق له حالتان.
الأولى: أن يكون الحالف أراد باليمين تعليق الطلاق على ماحلف عليه أي أراد وقوع الطلاق إذا حصل ما علق عليه، وفي هذه الحالة فله حكم الطلاق المعلق.
والثانية: أن يكون الحالف قصد اليمين فقط أي لم يرد إيقاع الطلاق وإنما أراد الحث على فعل شيء أو المنع منه، وفي هذه الحالة يعتبر حلفه بالطلاق يمينا كسائر الأيمان فله حلها، ويكفر عنها كفارة يمين وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد شيئا من ذلك صام ثلاثة أيام.
ولا شك أن قول الجمهور قول قوي جدا وعليه فينبغي لك مراجعة والدك في هذا الأمر الخطير برفق وحكمة وتستفصل منه مراده وتبين له الحكم فيه.
والله أعلم.