الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن كان عادتها أنها تطهر بالجفاف وحده، فإنها إذا رأته لم تنتظر القصة، وإذا رأت القصة لم تنتظر الجفاف، أما إذا كانت عادتها أنها تطهر بالقصة البيضاء، ولكنها رأت الجفاف فإنه يندب لها انتظار القصة إلى آخر الوقت المختار للصلاة، فإن رأت القصة وإلا صلت.
والجفوف الذي تطهر به المرأة هو الذي يبلغ عندها مبلغاً يجعلها لو وضعت في فرجها خرقة خرجت غير ملونة بالدم، وليس له مدة زمنية محددة، ولا فرق في الدم بين أن يكون كدرة أو صفرة أو نحو ذلك من ألوان الدم، وأما ما ينزل من الكدرة والصفرة بعد الجفوف، أو القصة بعد أيام العادة فلا يؤثر، لقول أم عطية رضي الله عنها: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً. رواه أبو داود.
وأما إذا تقطع الدم بأن رأت الجفوف، أو القصة قبل كمال مدة عادتها، ثم نزل الدم، فإنها تلفق أيام الدم، بأن تجمع بعضها إلى بعض وتغتسل كلما انقطع الدم، فمن كانت عادتها ستة أيام، فرأت الطهر بعد اليوم الرابع، فإنها تغتسل وتصلي، فإن عاودها الدم بعد يوم أو يومين -مثلا- جلست يومين، وما زاد على ذلك فهو استحاضة.
وأما ما يتعلق بالوساوس فلا يجوز للمسلم أن يستسلم لهذه الوسوسة التي تعرض له في وضوئه، أو في صلاته، أو في ذكره، أو غير ذلك، لأنها من كيد الشيطان ليصرف الصالحين عن عبادتهم، ويقطعهم عما يقربهم من ربهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، فينبغي للعبد أن يثبت، ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا وكلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوساوس أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب؟. انتهى.
وإذا استسلم الشخص للوساوس ولم يقطعها، فقد تجره إلى ما لا تحمد عقباه -والعياذ بالله- ومن أفضل السبل إلى قطعها والتخلص منها: الاقتناع بأن التمسك بها اتباع للشيطان، وقد نقل الشيخ محمد عليش المالكي عن بعض المشايخ أن الوسوسة بدعة أصلها جهل بالسنة أو خبال في العقل، ويستعين الإنسان بدفعها بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وبالدعاء، واللجوء إلى الله، وبالانصراف عنها، وإلزام النفس بذلك.
وقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب: له داوء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية -وإن كان في النفس من التردد ما كان- فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها، وعمل بقضيتها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها، وإلى شيطانها.... وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليعتقد بالله ولينته -هكذا فليعتقد في النسخة المتوفرة لدينا ولعله فليستعذ- فتأمل هذا الدواء النافع الذي علَّمه من لا ينطق عن الهوى لأمته.
واعلم أن من حرمه حرم الخير كله، لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقاً، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال، والحيرة، ونكد العيش، وظلمة النفس وضجرها، إلى أن يخرجه من الإسلام، وهو لا يشعر أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا..... ولا شك أن من استحضر طرائق رسل الله سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وجد طريقته وشريعته سهلة، واضحة، بيضاء بينة، سهلة لا حرج فيها، وما جعل عليكم في الدين من حرج، ومن تأمل ذلك وآمن به حق إيمانه ذهب عنه داء الوسوسة والإصغاء إلى شيطانها.... وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: داء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأن يقاتله فيكون له ثواب المجاهد، لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فرَّ عنه، وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان، وسلطه الله عليه محنة له، ليحق الله الحق، ويبطل الباطل ولو كره الكافرون... وبه تعلم صحة ما قدمته أن الوسوسة لا تسلط إلا على من استحكم عليه الجهل والخبل، وصار لا تمييز له، وأما من كان على حقيقة العلم والعقل فإنه لا يخرج عن الاتباع، ولا يميل إلى الابتداع.... ونقل النووي عن بعض العلماء أنه يستحب لمن بلي بالوسوسة في الوضوء أو الصلاة أن يقول: لا إله إلا الله، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس -أي تأخر وبعد- ولا إله إلا الله رأس الذكر. انتهى.
والله أعلم.