الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالآية الأولى التي سأل عنها السائل الكريم بدايتها قول الله تبارك وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [سورة البقرة:222]، وبسياق الآية وجوها العام تفهم الجملة المسؤول عنها، ويُعلم أنه لا تعارض بين الآيتين المذكورتين.
ففي الآية الأولى: يخبر الله عز وجل عباده المؤمنين أن المحيض أذى لكلا الطرفين (المرأة والرجل) حساً ومعنى، لأنه مستقذر طبعاً ونجس شرعاً، فيأمر الله عباده المؤمنين باعتزال النساء في المحيض وتجنب إتيانهن في موضع الحيضة، فإذا طهرت بانقطاع دم الحيض وتطهرت بالغسل منه أمر الله تعالى -أمر إباحة- بإتيانهن في المكان الذي أمر أن يعتزل ويجتنب في وقت المحيض وهو القبل، وهو مكان الحرث المشار إليه في الآية الأخرى.
وهذا هو معنى قوله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ أي: من حيث أمركم أن تعتزلوهن وهو مكان الحيض.
ولهذا قال المفسرون: أُمِروا أن يأتوهن من حيث أمروا أن يعتزلوهن، ولا يعدوه إلى الدبر المنهي عنه في كل الأوقات. وبهذا تعلم متى كان الأمر ومكانه من كلام الله تعالى.
وأما قوله تعالى: نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ... [سورة البقرة: 223].
فهو نص في إباحة الهيئة والكيفية والحالة التي يجوز عليها الوطء إذا كان ذلك في موضع الحرث (القبل) فلا مانع من إتيانها من الخلف أو الأمام أو الجانب...
قال القرطبي في تفسيره: ويباح الإتيان على كل حالة إذا كان الوطء في موضع الحرث: أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية...
وأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحاً ولا يباح، وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم... وأنه مزدرع الذرية، فلفظ (الحرث) يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة؛ إذ هو المزدرع فهو كالأرض، والنطفة كالبذرة، والولد كالنبات، فالحرث بمعنى المحترث...
وبهذا يتضح لنا معنى الآيتين الكريمتين وأنه لا تعارض بينهما ولا تناقض، وأن الآية الثانية وضحت الأولى كما وضحتهما السنة النبوية المطهرة، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 2902، 3533.
والله أعلم.