الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من السؤال: أن صاحب الأرض سيقترض البذور من السائل، ويزرع بها أرضه، على أن يرد للسائل مثل بذوره في نهاية الموسم، ويبيعه المحصول بالثمن.
وإن كان الأمر كذلك؛ فلا يصح هذا العقد، لأن المقرض (السائل) يجر لنفسه منفعة بقرضه، وهو شراء محصول الأرض، وكل قرض جر نفعا للمقرض فهو ربا، ويجب في الشروط المقرونة بالقرض أن تتمحض في مصلحة المقترض.
قال الحطاب في تحرير الكلام في مسائل الالتزام: كل شرط أدى إلى منفعة غير المتسلف، فإنه يفسد به القرض. اهـ.
وقال النفراوي في الفواكه الدواني: السلف لا يكون إلا لله، فلا يقع جائزا، إلا إذا تمحض النفع للمقترض. اهـ.
ثم إنه لا يصح الجمع بين القرض وبين أي عقد من عقود المعاوضات؛ كالبيع، والإجارة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع. رواه أحمد، وأصحاب السنن.
وعلة ذلك أيضا أنه ذريعة إلى الربا، ويؤول إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية الفقهية: نهى -صلى الله عليه وسلم- عن أن يجمع بين سلف وبيع ... فجماع معنى الحديث أن لا يجمع بين معاوضة وتبرع؛ لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل المعاوضة، لا تبرعا مطلقا، فيصير جزءا من العوض. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتوى: 148905.
وإنما يجوز إقراض البذر، أو إعارة الأرض، على وجه الإحسان.
جاء في «الفتاوى الهندية»: إذا دفع الرجل بذرا إلى رجل وقال: ازرعه في أرضك، ليكون الخارج كله لك، أو قال: ازرع أرضك ببذري، ليكون الخارج كله لك. فهذا جائز، ويصير صاحب البذر مقرضا للبذر من صاحب الأرض ليزرعه في أرضه، وقد قبضه رب الأرض بيده حقيقة...
وإذا دفع بذرا إلى رجل ليزرعه في أرضه على أن الخارج كله لصاحب البذر؛ فهذا جائز، ويصير صاحب البذر مستعيرا للأرض من رب الأرض، ومستعينا به ليزرع له بذره، وكل ذلك جائز.
ولو كان قال: ابذر هذا في أرضك لنفسك على أن ما أخرج الله تعالى من شيء، فهو لي كله، فالخارج كله لصاحب الأرض، ولصاحب البذر على صاحب الأرض مثل بذره. اهـ.
والله أعلم.