الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المحارم من الرضاع لهن حق ويخصون بنوع من الإكرام والإحسان ليس لغيرهم من سائر الناس، وإن لم تجب لهم الحقوق الواجبة للرحم بالمعنى الخاص.
وعليه، فلو أن السائل الكريم اجتمع بأخته من الرضاع، فله أن يسلم عليها ويصلها بشيء إكراماً وإحساناً، لكن لو كان في ذهابه إليها حرج أو مشقة فلا يطالب به، ولا إثم عليه في ذلك، فهن ليسوا من الرحم الواجبة، وإنما لهن حق الإسلام وحق الأخوة من الرضاع.
ويدل لهذا ما رواه أهل السير كابن هشام وابن القيم في زاد المعاد أنه لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وقد هوازن كان من جملة من قدم أخته من الرضاعة الشيماء وهي ابنة حليمة السعدية مرضعته صلى الله عليه وسلم ففرش لها النبي صلى الله عليه وسلم رداءه إكراماً لها، وكان من جملة من قدم عمه من الرضاعة وسأله أن يعطيه وقومه ما كان قد سبي منهم من النساء والذرية، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وشفع إلى الناس أن يردوا إليهم ما سبي منهم، قال القرطبي في تفسيره: الرحم على وجهين: عامة وخاصة، فالعامة رحم الدين ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله ونصرتهم والنصيحة وترك مضارتهم والعدل بينهم والنصفة في معاملتهم والقيام بحقوقهم الواجبة كتمريض المرضى وحقوق الموتى من غسلهم والصلاة عليهم ودفنهم وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم، وأما الرحم الخاصة وهي رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة كالنفقة وتفقد أحوالهم وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
ولبيان أحكام صلة الرحم الواجبة والمستحبة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 11449، والفتوى رقم: 18400.
والله أعلم.