الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه المراجعة إذا كانت بصوت مرتفع فوق الحاجة في المسجد فلا تنبغي، ويكون الأمر أشد في حال وجود بعض المصلين أو القارئين أو الذاكرين.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن المصلي يناجي ربه عز وجل، فلينظر أحدكم بما يناجي ربه، ولا يجهز بعضكم على بعض بالقراءة. رواه الإمام أحمد في المسند، وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط. ورواه الإمام مالك في الموطأ.
قال الباجي في المنتقى: لأن في ذلك إيذاء بعضهم لبعض ومنعا من الإقبال على الصلاة وتفريغ السر لها وتأمل ما يناجي به ربه، وإذا كان رفع الصوت بقراءة القرآن ممنوعا حينئذ لإذاية المصلين فبأن يمنع رفع الصوت بالحديث وغيره أولى. انتهى.
وذكر الحطاب في مواهب الجليل: أن مالكا سئل عن رفع الصوت بالعلم في المسجد فأنكر ذلك، وقال: علم ورفع صوت! فأنكر أن يكون علم ورفع صوت، وفيه كانوا يجلسون في مجالس العلم كأخي السرار فإذا كان مجلس العلم على سبيل الاتباع فليس فيه رفع صوت فإن وجد فيه رفع صوت منع وأخرج من فعل ذلك. انتهى.ويقصد بأخي السرار أي كونه غيره سرا.
وقال الدسوقي في حاشيته:
وأما قراءة العلم في المساجد فمن السنة القديمة ولا يرفع المدرس في المسجد صوته فوق الحاجة. انتهى.
وعليه، فلا بأس بالمراجعة في المسجد بشرط عدم التشويش على مصل أو قارئ وعدم رفع صوته فوق الحاجة، وبشرط كون ما يراجع فيه مما يباح الاشتغال به من كل علم مفيد نافع، هذا إضافة إلى مراعاة آداب المسجد والبعد عن كل ما يؤدي إلى تدنيسه وتقذيره.
أما دعاؤه صلى الله عليه وسلم أو أمره بالدعاء على من يبيع أو يشتري أو ينشد ضالته في المسجد كما في سنن الترمذي من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك. وصححه الشيخ الألباني. فلا يدل على منع تعلم العلم ومراجعته في المساجد مع مراعاة الضوابط المتقدمة، وكيف يكون ذلك وتعلم العلم من أجل العبادات!.