الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالبدعة قد حدها الشاطبي رحمه الله تعالى حيث قال: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه. وقد عد منها: التزام الكيفيات والهيئات المعنية كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومن الضوابط التي وضعها أهل العلم للبدعة قولهم: كل عمل لم يعمله النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي له وعدم المانع من فعله ففعله الآن بدعة.
والحديث الذي أشرت إليه: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين. أخرجه الترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد، ولكن ليس معناه أن لكل خليفة من الخلفاء الراشدين أن يسن ما أراد، وأن فعله شرع كسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل المقصود أنهم مقتدون برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن سنته تؤخذ عنهم. قال في تحفة الأحوذي: ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى الله عليه وسلم...... ومعلوم من قواعد الشريعة أنه ليس لخليفة راشد أن يشرع طريقة غير ما كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم. وبهذا يُعلم أن البدعة إنما تعرف بالخروج عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا الخروج عن فعل الصحابة، وأن الخلفاء ليس لهم أن ينتهجوا منهجا في الدين غير ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الاقتداء بهم المأمور به ليس إلا من هذا الوجه، وبهذا يزول الإشكال في أن زيدا لم يوافق الخليفتين عند أول مرة، وأنهما لم يحاجاه بأن عملهما سنة.
والله أعلم.