الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من السؤال أن أمَّ السائلة وأخاها لو علما بحقيقة ما تريد السائلة فعله بمالهما، لم يعطيا لها مالاً، فإن كان هذا هو الحاصل، فلا يحل لها هذا المال، ويجب رده إليهما، أو طلب السماح منهما؛ لأن من أُعطيَ مالاً على ظن صفة فيه، ومقصدٍ مُعَيّنٍ للمعطي، لم يحل له المال، إلا إن وُجِدت هذه الصفة، وأُخِذَ المال لأجل مقصد المعطي. وكذلك لو كان بالآخذ صفة لو علم بها المعطي لم يعطه، فلا يحل المال للآخذ.
قال ابن حجر الهيتمي في «تحفة المحتاج»: من أعطي لوصف يُظَن به، كفقر، أو صلاح، أو نسب، بأن توفرت القرائن أنه إنما أعطي بهذا القصد، أو صرح له المعطي بذلك، وهو باطنًا بخلافه، حرم عليه الأخذ مطلقاً، ومثله ما لو كان به وصف باطنًا لو اطلع عليه المعطي لم يعطه، ويجري ذلك في الهدية أيضًا على الأوجه، ومثلها سائر عقود التبرع فيما يظهر -كهبة، ووصية، ووقف ونذر- ... وحيث حرم الأخذ لم يملك ما أخذه؛ لأن مالكه لم يرض ببذله له. اهـ.
وقال البرماوي الشافعي: من أعطي على ظن صفة، وهو في الباطن بخلافها، ولو علم لم يعط، لا يملك ما يأخذه، ويجري ذلك في سائر عقود التبرع. اهـ. نقله البجيرمي في حاشيته على شرح المنهج.
وأما لو كان الحال على خلاف ذلك، وغلب على ظن السائلة أن أمها وأخاها لو علما بمقصدها من المال لأعطياها إياه على أية حال، فحينئذ لا حرج عليها في أخذه. قال النووي في «روضة الطالبين»: أعطاه درهمًا وقال: ادخل به الحمام، أو دراهم وقال: اشتر بها لنفسك عمامة، ونحو ذلك. ففي فتاوى القفال: أنه إن قال ذلك على سبيل التبسط المعتاد، ملكه وتصرف فيه كيف شاء. وإن كان غرضه تحصيل ما عينه لما رأى به من الشعث، والوسخ، أو لعلمه بأنه مكشوف الرأس، لم يجز صرفه إلى غير ما عينه. اهـ.
والله أعلم.