الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جعل الإسلام علاقة الزواج من أوثق العلائق وأمتنها، ولا أدل على ذلك من تسميته لها بالميثاق الغليظ، كما في قوله جل وعلا: [وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا] (النساء: 21) . ومن هنا كان التسبب في إنهاء هذه الرابطة لغير سبب يقتضيه أمرا غير مرغوب شرعا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال عند الله تعالى الطلاق. رواه أبو داود. وقد ضعفه بعض أهل العلم.
وقد اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في حكم إقدام الزوج على الطلاق من غير موجب شرعي يستدعي ذلك، فمنهم من قال بالكراهة وهو ما نص عليه ابن قدامة في المغني حين تعرضه لأقسام الطلاق وذكر منها: ومكروه وهو الطلاق من غير حاجة. وذهب آخرون إلى القول بالحرمة، لما فيه من الإضرار بالزوجة، وحجتهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار.
وعلى كلٍ.. فإذا أوقع الزوج الطلاق ترتبت عليه حقوق لزوجته من جملتها دفع مؤخر الصداق في الحال إذا كان لا يزال دينا في ذمته، ومنها كذلك المتعة، لقول الحق سبحانه: [وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ] (البقرة: 237) .
قال القرطبي: معناه أعطوهن شيئا يكون متاعا لهن، وحمله ابن عمر وعلي بن أبي طالب ومزاحم على الوجوب، وحمله أبو عبيد ومالك بن أنس وأصحابه على الندب، إلى أن قال: والقول الأول أولى. اهـ.
وعلى هذا؛ فإنه يجب لأختك على هذا الرجل المذكور مؤخر الصداق والمتعة على الصحيح من أقوال العلماء، أما النفقة فليس لها فيها حق، لأن طلاقها بائن، والبائن لا نفقة لها عند جمهور أهل العلم إلا إذا كانت حاملا، قال صاحب مطالب أولي النهى: ولا نفقة لبائن غير حامل. اهـ.
وقال الخرشي: إن المطلقة بائنا بثلاث أو بخلع أو بفسخ أو إيقاع حاكم ونحوه لا نفقة لها إن لم تحمل. اهـ. والأصل في هذا حديث فاطمة بنت قيس: أن زوجها طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال: والله مالك علينا منه شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: ليس لك عليه نفقة، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك. رواه مسلم.
وننبه إلى أنه في مثل هذه الأمور يفضل الرجوع إلى المحاكم الشرعية لأنها هي جهة الاختصاص في الفصل فيها.
والله أعلم.