الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في حكم تعليق يمين الطلاق بمشيئة الله؛ فذهب الحنفية، والشافعية إلى عدم وقوع الطلاق بالحنث في هذه اليمين:
ففي المذهب الحنفي، جاء في المبسوط للسرخسي: ولو قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله، فدخلت الدار، لم تطلق عندنا. انتهى.
وفي المذهب الشافعي جاء في السراج الوهاج على متن المنهاج: وكذا يمنع التعليق بالمشيئة انعقاد تعليق، كأنت طالق إن دخلتِ الدار إن شاء الله، فلا تطلق، ولو دخلت. انتهى.
وفرّق المالكية، والحنابلة بين قصد الحالف ردّ المشيئة إلى الفعل، وبين قصده ردّ المشيئة إلى الطلاق.
ففي المذهب المالكي، جاء في الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: كقوله أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله، وصرف المشيئة للدخول، أي: إن دخلت بمشيئة الله، فينجز عليه إن وجد الدخول عند ابن القاسم. وأما إن صرفها للمعلق وهو الطلاق، أو لهما، أو لم تكن له نية، فيلزم اتفاقًا.
وفي المذهب الحنبلي جاء في مطالب أولي النهى: إن قال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق إن شاء الله ... فإن نوى رد المشيئة إلى الفعل، لم يقع الطلاق به أي: بفعل ما حلف على تركه، أو بترك ما حلف على فعله... وإلا ينو ردّ المشيئة إلى الفعل، بأن لم ينو شيئًا، أو نوى ردّ المشيئة إلى الطلاق... وقع الطلاق. انتهى.
فعلى القول ببطلان اليمين بالاستثناء بالمشيئة؛ فلا يقع طلاقك بخروج زوجتك دون إذنك. وعلى القول الآخر، يقع الطلاق بخروجها دون إذنك، لكن إذا أذنتَ لها إذنًا عاماً بالخروج؛ فلا يقع عليها الطلاق بخروجها.
قال الفتوحي في منتهى الإرادات: وإن خرجت -أو زاد مرة- بغير إذني، أو إلا بإذني، أو حتى آذن لك، فأنت طالق، فخرجت ولم يأذن، أو أذن ثم نهاها، أو أذن ولم تعلم، أو وعلمت ثم خرجت ثانيًا بلا إذنه، طلقت، لخروجها، لا إن أذن فيه كلما شاءت. انتهى.
وفي شرح منتهى الإرادات للبهوتي: لا يحنث بخروجها إن أذن لها فيه، أي: الخروج كلما شاءت نصًا، لأن خروجها بإذنه ما لم يجدد حلفًا أو ينهها. انتهى.
والله أعلم.