الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت البضاعة في ملك البائع، وكانت غائبة عن مجلس العقد، جاز بيعها على الصفة المميزة لها، على الرَّاجح من أقوال أهل العلم في بيع الغائب.
قال ابن جزي في القوانين الفقهية: يجوز في المذهب بيع الشيء الغائب على الصفة، أو رؤية متقدمة، وأجازه أبو حنيفة من غير صفة ولا رؤية، ومنعه الشافعي مطلقًا. اهـ.
وقال القاضي عبد الوهاب في المعونة: إذا ثبت جواز بيع الغائب بالصفة، فالذي يحتاج إليه من ذلك كل صفة مقصودة تختلف الأغراض باختلافها، وتتفاوت الأثمان لأجلها، وتقل الرغبة في العين، وتكثر بحسب وجودها وعدمها. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: إذا كان المبيع غائبًا، فإما أن يشتري بالوصف الكاشف له، على النحو المبين في عقد السلم، وإما أن يشتري دون وصف، بل يحدد بالإشارة إلى مكانه، أو إضافته إلى ما يتميز به ... وبيع الغائب مع الوصف صحيح عند الجمهور في الجملة. اهـ.
ويجوز في بيع الغائب نقد الثمن كله أو بعضه من غير اشتراط من البائع، أما إن اشترط البائع نقد جميع الثمن؛ فيصح هذا فيما يؤمن تغيُّره، كالأجهزة الواردة في السؤال. قال القاضي عبد الوهاب في المعونة أيضاً: المبيع على ثلاثة أضرب: عين حاضرة، وغائبة عن العقد، وسلم في الذمة غير معين. اهـ.
ثم قال: إن تبرع المشتري في بيع الغائب بنقد الثمن أو بعضه قبل مجيء المبيع، جاز. فأما إن اشترط البائع عليه النقد، فيجوز في المأمون، لعدم تغيُّره، وأمنه في الغالب -كالعقار، والدور-، ولا يجوز في الحيوان، والمأكول، وما لا يؤمن تغيُّره، والفرق أن المأمون يقبل الغرر فيه، وغير المأمون يكثر الغرر فيه، فاشتراط النقد فيه غرر، ولأنه يدخله سلف وبيع؛ لأن النقد يتردد بينهما، لأن المبيع إن سلم كان نقدًا، وإن لم يسلم كان البائع قد انتفع بالثمن ثم رده إلى المشتري. اهـ.
وراجع للفائدة الفتاوى: 103465، 61817، 62802.
والله أعلم.