آثار الحسنات والسيئات في القلوب والأبدان والأموال وعلى حياة العبد

12-3-2025 | إسلام ويب

السؤال:
ما جزاء من غضَّ بصره، وجاهد نفسه عن رؤية الإغراءات والشهوات والفتن الكثيرة قدر المستطاع، وتوقف عن العادة السرية، وفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله، طمعًا في توفيقه؟ وكان في نيته أيضًا أن يصبر وينتظر لينال الحلال، ويستمتع بلذته بدلًا من لذة الحرام. فما جزاؤه في الدنيا والآخرة؟ وما عوض الله له إن تاب من المعاصي، وجاهد نفسه في ذلك؟ وهل التائب من العادة السرية، بنية الصبر لينال لذة الحلال، وابتغاءً لمرضاة الله، وسعيًا لتوفيقه في حياته، ومباركته له في عمله ودراسته، ورجاءً لمحبة الله، تكون نيته هذه محرمة أم لا؟ وما حكمها؟ وهل العادة السرية سبب في عدم التوفيق في الدراسة؟
وإذا تاب بنية كهذه، هل يقبل الله توبته، ويعوضه في الدنيا والآخرة، ويوفقه في حياته، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ويرزقه لذة التقرب إليه، ولذة الحلال عند زواجه؟
وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فسنلخص جواب سؤالك في النقاط التالية:

1ـ من تاب توبة صادقة من العادة السرية، أو غيرها من المعاصي قبل أن يغلق باب التوبة، فإن توبته مقبولة.

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وظاهر النصوص يدل على أن من تاب إلى الله توبة نصوحًا، واجتمعت شروط التوبة في حقه، فإنه يقطع بقبول الله توبته، كما يُقطع بقبول إسلام الكافر إذا أسلم إسلاماً صحيحًا، وهذا قول الجمهور، وكلام ابن عبد البر يدل على أنه إجماع. ومن الناس من قال: لا يقطع بقبول التوبة، بل يرجى، وصاحبها تحت المشيئة وإن تاب.... والصحيح قول الأكثرين. انتهى.

والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وغفران الله تعالى وعفوه لا يتعاظمه شيء. قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}، وقد ذكرنا شروط التوبة في الفتوى: 5450.

2ـ من ترك المعاصي -كالنظر إلى الحرام، أو العادة السرية- بنية مرضاة الله تعالى، مع تحقيق مطلوبه في الدنيا والآخرة، فهذه نية حسنة، وينال صاحبها ثوابًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، فإن من ابتعد عن المعاصي، واتقى الله تعالى، فإن الله يرزقه طمأنينة القلب، وحلاوة الإيمان، ويبارك له في حياته، وييسّر له أموره.

جاء في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيميةوقد جاءت الآثار بذلك، وأنه يحصل لمن غض بصره نور في قلبه، ومحبة، كما جرب ذلك العالمون العاملون.
وفي مسند أحمد: حدثنا عتاب عن عبد الله -وهو ابن المبارك- أنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة، ثم يغض بصره، إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها.
ورواه أبو بكر بن الأنباري في أماليه من حديث ابن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب به، ولفظه: من نظر إلى امرأة، فغض بصره عند أول دفعة، رزقه الله عبادة يجد حلاوتها. وقد رواه أبو نعيم في الحلية.
اهـ. 

وقال ابن القيّم في كتابه: التبيان في أقسام القرآن: السبب الثاني: التقوى، وهي اجتناب ما نهى الله عنه، وهذا من أعظم أسباب التيسير، وضده من أسباب التعسير، فالمتقي ميسرة عليه أمور دنياه وآخرته، وتارك التقوى وإن يسرت عليه بعض أمور دنياه، تعسر عليه من أمور آخرته بحسب ما تركه من التقوى، وأما تيسير ما تيسر عليه من أمور الدنيا، فلو اتقى الله لكان تيسيرها عليه أتم، ولو قدر أنها لم تتيسر له، فقد يسر الله له من الدنيا ما هو أنفع له مما ناله بغير التقى، فإن طيب العيش، ونعيم القلب، ولذة الروح، وفرحها وابتهاجها من أعظم نعيم الدنيا، وهو أجلّ من نعيم أرباب الدنيا بالشهوات واللذات، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}، فأخبر أنه ييسر على المتقي ما لا ييسر على غيره، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}، وهذا أيضاً ييسر عليه بتقواه، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً}، وهذا يتيسر عليه بإزالة ما يخشاه، وإعطائه ما يحبه ويرضاه. اهـ. 

3ـ بخصوص قولك "وهل العادة السرية سبب في عدم التوفيق في الدراسة؟"

فالجواب أن المعاصي كلها سبب لغضب الله تعالى، وحرمان توفيقه. قال ابن القيم في مدارج السالكين: وقد جعل الله سبحانه للحسنات والطاعات آثارا محبوبة لذيذة طيبة، لذتها فوق لذة المعصية بأضعاف مضاعفة، لا نسبة لها إليها، وجعل للسيئات والمعاصي آلاماً وآثارًا مكروهة، فما حصل للعبد حال مكروهة قط إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، قال الله تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [الشورى: 30]، فكل نقص، وبلاء، وشر في الدنيا والآخرة، فسببه الذنوب، ومخالفة أوامر الرب، فليس في العالم شر قط إلا الذنوب وموجباتها. وآثار الحسنات والسيئات في القلوب والأبدان والأموال أمر مشهود في العالم، لا ينكره ذو عقل سليم، بل يعرفه المؤمن والكافر، والبر والفاجر. اهـ.

والله أعلم.

www.islamweb.net