الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمرحباً بطالب العلم، وهنيئاً لمن قذف الله في قلبه الرغبة في طلب العلم! اعلم رحمك الله أن طلب علم من العلوم لا علاقة له بوظيفة الإنسان أو دراسته الأكاديمية، وإنما يتوقف على توفيق الله له، ثم على استعداده الشخصي للتخصص في علم من العلوم، فأشهر المشتغلين بعلم الحديث في مصر لهم تخصصات بعيدة عن علم الحديث.
ثم اعلم أن التخصص في دراسة علم من العلوم يأتي بعد دراسة الحد الأدنى من جميع العلوم الشرعية، فبعد أن تدرس العقيدة ومختصراً في الفقه وتقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتضبط قواعد النحو وتنهي كتاباً في التفسير و... لك أن تتخصص في أحد العلوم وتخصه بمزيد دراسة وعناية وتوسع في المادة المقروءة.
هذا.. وعلم الحديث على قسمين: قسم يتعلق برواية الحديث، وصيغ تحمل الرواة له، وصيغ أدائهم وطريقة وصوله إلينا والنظر في شروط صحته، وعلله، وتتبع طرقه في الكتب التي أخرجته، والنظر في حال الرواة ونحو ذلك، وهو ما يطلق عليه علم الحديث رواية أو علم مصطلح الحديث، ومن أشهر ما صنف فيه: نخبة الفكر، وشرحه نزهة النظر، كلاهما للحافظ ابن حجر، واختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، وشرحه الباعث الحثيث للشيخ أحمد شاكر، ومقدمة ابن الصلاح وغير ذلك.
والقسم الثاني: يتعلق بفقه الحديث ومعرفة مراد الرسول منه، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وقواعد الجمع عند التعارض، والترجيح عند تعذر الجمع، ونحو ذلك مما له تعلق بمتن الحديث وفهم معناه، وهو ما يطلق عليه علم الحديث دراية، ومن أشهر ما صنف فيه (الأربعين النووية) وشرحها للحافظ النووي والحافظ ابن رجب، وشروح أحاديث الأحكام وشروح الصحيحين والسنن ونحو ذلك.
واعلم أن أفضل القسمين وأشرفهما وأعلاهما هو الثاني، أعني علم الحديث دراية لأنه هو الذي يتعلق به العمل، والقائمون عليه قليل في هذا الزمان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها. أي فهم المراد منها، ثم بلغها عني، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
فالأمة تحتاج أكثر إلى حامل الفقه البصير به الفاهم لمعناه، قال السيوطي في الألفية عن تعلم علم الحديث وتقديم الفقه عليه:
وحمله وضبطه حيث استعد * وإن يقدم قبله الفقه أسدّ
وإذا أردت أن تطلب العلم عن طريق دراسة نظامية متكاملة ومتوازنة بين جميع العلوم في مصر، فاطلبه على أعلامه المنتمين لمذهب أهل السنة في بلدك، وإن تيسر لك الدراسة في القاهرة، فهناك معهدان، الأول: معهد العزيز بالله بحي الزيتون، والثاني: المعهد الذي يقوم عليه الشيخ مصطفى محمد بضاحية حلوان.
وكذا يمكن طلب العلم على يد المتخصصين الذين هم مشاهير العصر في علم الحديث، ويمكنك الوصول إليهم عن طريق سؤال المهتمين بهذه العلوم.
فإذا لم يتيسر لك طلب العلم على العلماء الذين ينتمون إلى مذهب أهل السنة والجماعة ولم تتمكن من الالتحاق بأي من المعهدين المشار إليهما آنفاً، فإن الله عوضنا خيراً بأشرطة العلماء، ومن أشهرهم العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، وقد طبع الكثير من شروحهما على متون العلم في أسطوانات مدمجة متوفرة بالأسواق، وهذا التيسير في نشر العلم من فضل الله علينا، وتحقيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله في هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر. رواه الإمام أحمد وقال شعيب الأرناؤوط إسناده صحيح على شرط مسلم.
والله أعلم.