الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب عليك إعطاء أمّك كلّ ما تطلبه منك على سبيل الهبة أو المبادلة، ويجوز لك إخبارها -بأدب ورفق- بحاجتك إلى هذه الأشياء، سواء كانت هدايا أو غيرها، وليس ذلك من العقوق.
لكن عليك برّها، والإحسان إليها، والحرص على استرضائها، والحذر من مغاضبتها، وهذا يحتاج إلى حكمة ومداراة، فما أمكنك كتمانه، وإخفاؤه عنها من هذه الأشياء التي تتطلع إليها؛ فاكتميه عنها إذا لم يترتب على ذلك مفسدة.
وما لا تقدرين على إخفائه عنها، ولا تريدين إعطاءه لها؛ فتلطّفي في الاعتذار منها، واخفضي لها جناح الذل، وأليني لها الكلام؛ فأثر الكلام الطيب قد يكون أبلغ من أثر الهدايا والعطايا.
وما أمكنك إعطاؤه لها مما تطلبه أو تتطلع إليه؛ فابذليه لها إذا كان لا يجحف بك ولا يضرك، تخلصًا من غضبها، وإحسانا إليها.
جاء في الفروق للقرافي: قيل لمالك ... يا أبا عبد الله؛ لي والدة وأخت وزوجة، فكلما رأت لي شيئا قالت: أعط هذا لأختك، فإن منعتها ذلك سَبَّتْنِي، وَدَعَتْ علي، قال له مالك: ما أرى أن تُغَايِظَهَا، وتخلص منها بما قدرت عليه، أي: وتخلص من سخطها بما قدرت عليه. انتهى.
واعلمي أنّ برّ الأمّ والإحسان إليها من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله، وأعجلها، وأرجاها ثواباً وبركة في الرزق والعمر، ففي الأدب المفرد للبخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: ... إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله -عزَّ وجلَّ- من برِّ الوالدة.
والله أعلم.