الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن جرير الطبري في تفسيره: أن الذين قالوا بأن الأمشاج هي العروق التي تكون في النطفة، قصدوا بذلك أن نطفة الرجل ....على لون واحد، وهي بيضاء تضرب إلى الحمرة... قال: وأحسب أن الذين قالوا: هي العروق التي في النطفة قصدوا هذا المعنى. انتهى.
فتلك الحمرة اليسيرة في البياض، كأنها عروق، أو خطوط رقيقة، فقد نقل الثعلبي عن الكلبي، وعطاء الخرساني: الأمشاج: الحمرة في البياض، والبياض في الحمرة أو الصفرة. انتهى.
وأمّا من قال إنها مختلفة الصفات، أو الألوان، فهذا لا يعارض كونها أخلاطًا -كما فهمت-، فهي أخلاط من صفات مختلفة، وإلا لما كانت أخلاطًا؛ لأن الصفة الواحدة لا يقال عنها: اختلطت بنفسها.
قال ابن كيسان: الأمشاج: الأخلاط؛ لأنها ممتزجة من أنواع، فخلق الإنسان منها ذا طبائع مختلفة. انتهى.
وقال الواحدي في التفسير البسيط: وقال أهل المعاني: إن الله جعل في النطفة أخلاطًا من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة، والبرودة، واليبوسة، والرطوبة، ثم عدلها. انتهى.
وأمّا كون الوصف داخليًا أو خارجيًا، فهذا بحسب التفسير للأمشاج، فإن فسرنا الأمشاج: بأنها العروق في النطفة، فيكون وصفًا داخليًا، على قولنا: نطفة الرجل بيضاء تضرب إلى الحمرة.
وإن فسّرنا الأمشاج بأنها اختلاط نطفة الرجل بنطفة المرأة، فيكون وصفاً خارجيًا.
وقد رجح ابن جرير الطبري أن الأمشاج هو اختلاط نطفة الرجل بنطفة المرأة.
وأمّا هل هناك فرق بين قولهم: نطفة أمشاج وقولهم: ذات أمشاج؟
فلا نرى فرقًا مؤثرًا من حيث أصل المعنى في إطلاق العبارة هذه أو تلك في غير القرآن، إذ كلام المفسرين يراد به التفسير للعبارة، والتقدير لها، ولا شك أن لفظ القرآن هو الأتم والأكمل؛ لأن القرآن مبناه على البلاغة، والفصاحة، والكمال؛ لأنه كلام الله، وهو جارٍ على لغة العرب في الحذف والبيان.
قال الواحدي في البسيط: والتقدير: من نطفة ذات أمشاج، فحذف المضاف، وتم الكلام. انتهى.
والله أعلم.